إنّه شعور مألوف لكلّ من دسّ يده يومًا ما في التّراب، في الوحل، إلى داخل المادّة – إنّه مألوف لكلّ واحد منّا من هذه المرحلة أو تلك من الحياة. البرودة، والملمس، والتّشبّث، وسريانها بين الأصابع، تحت الأظافر، بين نتوءات الجلد. هناك، داخل الأرض، يمكننا أن نشعر بالجوهر – العودة المنشودة إلى أساس كياننا.
اللّعب كمفهوم هو مرحلة تطوّريّة تحتلّ مكانة خاصّة في حياة الفرد وترافقه بأشكال مختلفة طوال حياته. يُظهر التّاريخ أنّ الإنسان كان يلعب منذ الأزل – قبل ظهور مصطلح “الطّفل” مقابل “البالغ” بوقت كبير. في كتابه “الإنسان اللّاعب”، يعتبر يوهان هويزينغه أنّ اللّعب هو جذر الحضارة. إنّه فعالية حرّة تحيد عن تلبية الاحتياجات الجسديّة للإنسان، وهدفها هو الاستمتاع والتّرفيه. “إذا ما فكّرنا في دور اللّعب في تطوّر الحضارة […] فبمقدورنا أن نتشبّث بمفهوم اللّعب منذ لحظة انتهاء البيولوجيا والسّيكولوجيا من عملهما. لوجدنا أنّ للّعب في الحضارة قيمة معيّنة، يسبق وجودها وجود الحضارة، ويرافقها ويجتازها منذ بدايتها وحتّى مرحلة الحضارة التي نراها ونعيش ضمنها. يتبدّى لنا اللّعب في كلّ مكان كخاصّة معيّنة للفعل، تختلف عن الحياة ’العاديّة‘.”11 يوهان ...
كذلك في مجال علم النّفس والتّحليل النّفسيّ، هناك علاقة وطيدة بين اللّعب والواقع. يشكّل اللّعب “جسرًا” ما بين الواقع الدّاخليّ وذاك الخارجيّ، ويُمكنه أن يُستخدم كوسيلة للتّحقيق الذّاتيّ. في كتابه “اللّعب والواقع”22 دونالد ... يقرّ وينيكوت أنّ التّحليل النّفسيّ واللّعب يعملان وفق آليّات متشابهة. فكلاهما يُتيح الوصول إلى اللّا وعي ويُمكن اعتبار كليهما من الأدوات العلاجيّة.
بالتّالي، فإنّ-
“التّقارب بين اللّعب والفنّ جليّ. فكما هي الحال مع الفنّ، يخلق اللّعب أيضًا عالمًا خياليًّا، خارجًا عن الواقع اليوميّ. من المعروف أنّ خاصّيّة خلق عالم خياليّ، منغلق على ذاته، تُعتبر من الأمارات المميّزة للفنّ، وفي أحيانٍ كثيرة قد شبّهت النّظريّات الجماليّة الفنّ بجزيرة محاطة بالمياه.”33 يوهان ...
اللّعب بالوحل ولمس المادّة يتيحان لنا أن نغرس في داخلهما بصمة شخصيّة لكلّ واحد وواحدة فينا، ويُزوّدانا بمنصّة شاملة ومُريحة للغوص داخلها ولإغراق الأنا الدّاخليّ لكلّ منّا فيها.
إنّ الأعمال المعروضة في هذا المقال تُعبّر عن القوّة والجمال الكامنين في المادّة بحدّ ذاتها، وعن القدرة السّحريّة الطّبيعيّة والمتوازية للظّهور بعدد لا يُحصى من الأشكال والحالات. تجسّد الأعمال بشكل وطيد ذاك الرّابط بين بصمات الفنّانين والأعمال الفنّيّة التّامّة، وتشدّد على جوهر العمل كمادّة خام.
غيدولا عوغن عصفور نفسي – صورة ذاتيّة التّسعينيّات
تربة مرصوصة، أسمنت، أعشاب جافّة
20 × 7 سم
غيدولا عوغن
يتألّف العمل من جزءين: المكعّب والعصفور. القسم الأسفل هو المكعّب المصنوع من تربة مرصوصة مع أعشاب. على المُكعّب يقف عصفور، مصنوع من تربة مع القليل من الأسمنت. الجناحان والذّيل مصنوعة هي أيضًا من أعشاب جافّة.
تميل غالبيّة الأعمال المتأخّرة لـ غيدولا عوغن إلى التّجريديّة والتّعبيريّة، وهو ميل بدأ عندها خلال السّبعينيّات، بتأثير من الفنّ التّجريديّ الأمريكيّ. في تلك السّنوات، تحوّلت الصّور المأخوذة عن الطّبيعة إلى ثيمة مركزيّة في أعمالها، وباتت تُعتبر علامة للثّقافة المادّيّة.
“في الطّبيعة أحبّ الفرد، والمفاصل، ونقاط الالتقاء بين الأشكال، وانبثاق الشّكل عن الشّكل […] يشبه تركيب المقاطع لذلك الذي يحصل في الأحلام، والمنطق هو ذاته الموجود في الأحلام، فيفكّك الواقع ويعيد تركيبه من جديد.”
“إنّ العمل النّاتج من خلال حوار حميميّ مع المادّة (أيّ مادّة كانت)، قد يتسنّى له أن يعكس المصداقيّة. الحوار مع العمل والمادّة معناه لمس المادّة والحصول على ردّ منها، وفهم هذا الرّدّ، ومعاودة اللّمس… الحميميّة هي النّقيض التّام للمبادئ والتّصريحات، وهي تنطوي على قيمة إضافيّة.”
مُقتبس عن حوار أجرته إينا أرواطي مع غيدولا عوغن حول معرضها في بيت أهرون كاهانا، في رامات غان. إينا أرواطي، 1966، غيدولا عوغن كالطّبيعة، رامات غان: إصدار بيت أ كاهانا، آذار-نيسان 1996.44 אינה ...
أورس فيشر
طين كبير #7, 2008-2013
ألومينيوم مصبوب، هيكل من الفولاذ المقاوم للصّدأ، براغٍ من الفولاذ المقاوم للصّدأ
الحجم بالتّقريب: ¼ 543 × 248 × ½ 220 بوصة (1380 × 629.9 × 560.1 سم)55 مجموعة بيل ...
طين كبير #7 عبارة عن كومة عالية من الألومينيوم المصبوب، التي صُمِّمَت بناءً على نموذج صغير من الطّين المدعوك باليد. يتّخذ التّمثال صورته من كتلة طين قام الفنّان بالإمساك بها وتصميمها بيده. ما زال الغرض يحمل أمارات تصدّعاته، وبهذا فإنّه يدمج بين عمليّات النّحت الأساسيّة واليدويّة والإنتاجات التّقنيّة المعقّدة. من خلال تكبير التّمثال إلى أبعاد ضخمة، فإنّه يُعيد النّظر في اللّغة المُثقلة بالشّؤم للتّجريد النّحتيّ – خالطًا بين العَظَمَة وعفويّة وخشونة الـ art brut (الفنّ الخشن). في الآن ذاته، فإنّ أشكال النّتوءات في المعدن المصبوب تُذكِّر وتوحي بالاستحضارات النّصف تجريديّة للجسد في أعمال هنري مور وغيره من نحّاتي منتصف القرن العشرين. كما هي الحال في العديد من أعمال فيشر، فإنّ الشّكل البشريّ – الأخرق والمتناسق بازدواج – هو ركيزة لما يبدو كأنّه إيماءة تجريديّة.
באדיבות המטה של סיידי קולס, לונדון Sadie Coles HQ
إنّ التّحوّل العظيم الأبعاد من كتلة طين لا تتعدّى الـ 5 سم إلى تمثال من الألومينيوم الذي يصل ارتفاعه إلى 10 أمتار استوجب استخدام أحدث التّقنيّات، بالإضافة إلى ظروف حيّزيّة سخيّة بامتياز. بواسطة تكنولوجيا مقطعيّة محوسبة، تمّ التقاط أصغر التّفاصيل، كأخاديد بصمة الأصبع في النّموذج، بشكل أتاح لآلة تفريز ضخمة ذات 5 محاور أن تعيد إنتاج شكل مكبّر 100 مرّة بمادّة البولسترين، مع دقّة متناهيّة في كلّ تفصيل. في المسبك الشّريك في الصّين، تمّ صبّ القطع الـ 48 للتّمثال بواسطة سبيكة ألومينيوم خاصّة مقاومة للصّدأ. لهذه الغاية، تمّ بناء فرنًا خاصًّا لصهر هذه السّبيكة. لحفظ ثبات التّمثال، كانت هناك حاجة إلى هيكل داخليّ معقّد مصنوع من الفولاذ المقاوم للصّدأ. لنقل العمل بواسطة حاويات سفنٍ، تمّ تقسيمه إلى عشر قطع بناءً على تصميم أنتجه أورس فيشر.
بهذا، تمّ بناء تمثال ضخم، للمساحة الخارجيّة، تمّ إنتاجه على مرّ شهور عديدة، بناءً على نموذج أصليّ أُنتِج خلال ثوانٍ؛ إنّه تحوّل بالغ الأبعاد من حيث الزّمن والمادّة.
http://www.swiss-artfoundry.com/artistsprojects/urs-fischer/untitled-big-clay3-2008-2011/
دوغلاس وايت
جلد جديد لطقس قديم 2011طين ومائدة فولاذيّة
أبعاد: متفاوتة
“أثناء تجوالي في شرق أفريقيا في العام 2001، مررت ببقايا فيل. كان قد تبقّى منه القليل فقط، إذ كان قد التُهِم معظمه. كلّ ما تبقّى كان بعض العظام الموزّعة وجلده الشّاسع المُفرّغ والمطويّ، وكان يكسو البقايا كأنّه خيمة. بقيت هذه الصّورة في مخيّلتي. كان ذلك اللّقاء عميقًا – رأيت جسدًا يتحوّل إلى أرض، جسدًا حاضرًا وغائبًا تبخّر فيه الحدّ الفاصل بين الدّاخل والخارج بفعل الحرّ والانحلال. كان جسدًا بوسعك السّير عبره.”
بإذن من الفنّان
نوريت غور لافي “في أعقاب بيلاسْكِس” 2016-2018
خزف أسود وأصباغ
أحجام متفاوتة (عرض نحو 15-25 سم، وارتفاع 10-20 سم)
“خرجت لفحص الرّسم من خلال النّحت.
“أحبّ بيلاسْكِس منذ أيّام طفولتي المُبكّرة، من كتاب حصل عليه أهلي هديّةً عند زفافهم، من جنود كانوا في الجيش البريطانيّ في العام 1945. كان الكتاب ملفوفًا بقماش رماديّ مع إهداء على لوحة من النّحاس، وكانت كلّ الصّور بالأبيض والأسود، باستثناء صورة الـ ’إينفانتا الصّغيرة‘ التي كنّا ننعم فيها النّظر مرارًا وتكرارًا. كانت الأميرة بمثابة ’بطلة طفولة‘.
“في شهر آذار من العام 2016، سافرت إلى متحف الـ ’برادو‘ في مدريد كي أنسخ، وهناك ’التقيت‘ الـ مارغاريتا الكبيرة (والقصد هو ماريانا، والدة مارغاريتا)، تلك الموجودة إلى يمين اللّوحة الكبيرة ’لاس مِنيناس‘.
“ربّما ذكّرتني بـ دجاكومِتّي، الذي أحبّه كثيرًا هو الآخر؛ وربّما انجذبت إلى الأكوام، إلى التّلال، إلى التّركيب الآخذ بالارتفاع وغير المتناسق؛ وربّما يعود الأمر إلى الأحجية الكبيرة الكامنة – كلّ تلك الأمور جذبتني مرّة تلو الأخرى إلى الـ مارغاريتا وإلى محاولة نحتها في المادّة.
“أنتجت جميع التّماثيل ليس بناءً على ذاكرتي، بل من خلال مراجعة عن كثب وإنعام في نسخة مصغّرة موجودة في كتاب.”
بإذن من الفنّانة
“ولدت ماريانا النّمساويّة في 24 كانون الأول من العام 1634، وكانت ابنة فيرناندو الثّالث، الإمبراطور الرّومانيّ المقدّس، وماريا آنا الإسبانيّة. عندما كانت في سنّ الـ 15، تزوّجت عمّها، فيليبِه الرّابع من إسبانيا، والذي كان يكبرها بـ 30 عامًا. لم يكن الزّواج سعيدًا.
من بين أطفالهم الخمسة، وصل سنّ البلوغ اثنان فقط. تزوّجت ابنتها الكبرى، مارغاريتا تيريسا، عمّها، ليوبولدو الأوّل، الإمبراطور الرّومانيّ المقدّس. أمّا الابن الوحيد الذّي نجا، كارلوس، فقد وُلِد … مع إعاقة جسديّة وعقليّة، ومن المرجّح أنّ ذلك يعود إلى سنوات كثيرة من زواج الأقارب … شغلت ماريانا منصب وصيّة ابنها، واستمرّت في هذا طيلة حياته تقريبًا، نظرًا لمرضه.
في العام 1677، نُفِيَت ماريانا من مدريد من قِبل خوان النّمساويّ الأصغر، والذي كان ابنًا غير شرعيّ لـ فيليبه الرّابع، زوجها الرّاحل.
عاشت بعدها في مدينة طُلَيطلة، إلّا أنّها عادت إلى مدريد بعد وفاة خوان في العام 1679.
في شهر آذار من العام 1696، سمحت أخيرًا للأطبّاء بمعاينة كتلة كانت قد لاحظتها في صدرها … وتلقّت ’دواء‘ جعلها تُصاب بالحمّى وتتقيّأ كثيرًا. توفّيت ماريانا في الـ 16 من أيّار في العام 1696، وهي تمسك بصليب البابا بيوس الخامس.
توفّي نسلها بعد أربعة أعوام فقط، وبالنّتيجة انتقل العرش الإسبانيّ إلى ورثة آن النّمساويّة، ملكة فرنسا.”
https://www.historyofroyalwomen.com/the-queen-regent-series/queens-regent-mariana- austria/
بافيل جورافلف
مزهريّة من الطّين البرّيّ 2018
تراكوتا
حجم: 31 سم
بافيل جورافلف
“العمليّة العضويّة هي الوحيدة التي يمكنها مصارعة الجاذبيّة. في الطّين البرّيّ، بودّي أن أعبّر عن كيفيّة مواجهة التّوسّع العضويّ للجاذبيّة التي تشدّه نحو العدم. يقوم الفيروس بتغيير الهيكل، وبإنتاج عدد لا يُحصى من الطّفرات، ومن بينها ما يُصبح مرحلة جديدة من التّطوّر. هنا، تناولت الشّكل التّقليديّ للإناء كأساس ومن خلال صنعه، أحدثت فيه طفرات كما يفعل الفيروس. من خلال هذه الأشكال، بودّي التّعبير عن الطّريقة التي فيها يهدم الفيروس ليُعيد البناء من جديد.”
بإذن من الفنّان
يتكوّن الطّين البرّيّ من الحجارة، والرّمل والطّين بخليط طبيعيّ. يُحافظ هذا الدّمج على الجمال والعشوائيّة. تبقى الحجارة والرّمل في الطّين، وبهذا فإنّها تلعب دورًا في طبيعيّة الغرض وعدم كماليّته. يُستخرج الطّين الطّبيعيّ من حفرة في غابة على مقربة من نهر نيرل.
تمّ صنع الإناء بواسطة الأيدي والحجارة فقط كأدوات تصميم، من ثمّ تمّ خبزه فرن حطب بدائيّ تلامس فيه النّيران الإناء. يُتيح الحيّز الحميميّ داخل الفرن إظهار نسيج مفصّل على سطح الإناء، ينتجه لهيب الخشب. تكون النّتيجة دومًا فريدة وغير متوقّعة.