موجز
سيرورة التّصميم هي سيرورة تُحدث تغييرات، ولها تأثير مباشر على المُحيط الملموس والاجتماعيّ، بالإضافة إلى تأُثيرها على عالم المفاهيم الثّقافيّ. لكي “لا يثور المخلوق على خالقه”، ولكي يكون من يعملون في مجال التّصميم واعين للتّأثيرات المُتعدّدة الأبعاد لأعمالهم، على الرّابط غير القابل للتّفكيك بين التّعبير البصريّ والمفهوم القِيَميّ أن يكون جزءًا من عمليّة التّدريب في أكاديميّات الفنون والتّصميم. يستعرض هذا المقال مساقًا في السّنة التّعليميّة الأولى في قسم تصميم الخزف والزّجاج، والذي يكشف الطّلّاب على أسلوب طبيعيّ لترجمة المفاهيم الخام، التي يحملونها معهم عند قدومهم إلى الأكاديميّة، إلى تعابير تشكيليّة، مشحونة بالمعاني القيميّة. تستند السّيرورة في المساق إلى افتراضين مركزيّين. الافتراض الأوّل هو أنّه في مجالَي الفنّ والتّصميم، ليس الانشغال بما هو بصريّ شأنًا رسميًّا فحسب، بل هو أمر مشحون بمعانٍ قِيَميّة. الافتراض الثّاني هو أنّ الانشغال بالمسائل القِيَميّة وبالمسؤوليّة المهنيّة هو جزء لا يتجزّأ من الانشغال بالسّيرورات المادّيّة والتّكنولوجيّة. يعرض هذا النّصّ تحليلًا لمخرجات سابقة من المساق، كأمثلة على عمليّة تعلّم فعّال تُحفّز الطّلّاب على خوض تجربة العلاقات المتبادلة المتعدّدة الأبعاد بين عملهم وكونهم المبادرين، والمُطوّرين والمنتجين، وبين تأثيرهم على المجتمع والواقع المدنيّ.
مقدّمة
منذ العام 2014، يشتمل برنامج التّعليم في قسم التّصميم الخزف والزّجاجi11 نقصد بذلك ... على مساق، هو عبارة عن ورشة أفكار. عُرِّف المساق بشكل يُطبِّق توجّه القسم، الذي يبغى تدريب المُصمّمين والفنّانين الخرّيجين ليكتسبوا مهارات يستخدمونها في سياق بيئتهم الاجتماعيّة والثّقافيّة. يعكس برنامج التّعليم دور أكاديميّات التّصميم والفنون كما نتصوّره اليوم، ويهدف إلى رعاية جيل من المهنيّين الذين يُحسنون التّصرّف في واقع غير مستقرّ من النّواحي البيئيّة، والاجتماعيّة والتّشغيليّة. بغية تحقيق هذه الرؤيا وكيي “لا يثور المخلوق على خالقه”،22 يعود أصل ... فإنّ هذه الورشة تهدف إلى غرس قِيَم المسؤوليّة المهنيّة لدى الخرّيجين، كي يستخدموا العقل بخصوص تأثير أعمالهم على الواقع المدنيّ، والثّقافيّ والبيئيّ. يُعقد المساق في السّنة الأولى من التّعليم، بموازاة مساقات المهارات، والموادّ والتّكنولوجيا، وذلك لإكساب الطّلّاب تفكيرًا قِيَميًّا33 في هذا ... وتصوّرًا للانشغال الاجتماعيّ والثّقافيّ كجزء من البنى التّحتيّة للعمل المهنيّ.
ورشة الأفكار هذه هي مساق عمليّ ينعقد طيلة السّنة، حيث يتمّ التّركيز في الفصل الأوّل على الممارسات الفنّيّة، وفي الفصل الثّانيّ يتمّ التّركيز على سيرورة اتّخاذ القرارات في التّصميم. يصف هذا المقال السّيرورة التي تتطوّر في ورشة الأفكار لتصاميم تدمج بين المهارات المهنيّة والتّوجّهات الدّاعمة اجتماعيًّا وثقافيًّا وبيئيًّا، كما يعرض بعض الأعمال النّاتجة عنها والتي صُمِّمَت من خلالها. تهدف الورشة إلى تشجيع الطّلّاب على اتّخاذ موقف قِيَميّ عماده المسؤوليّة المهنيّة، منذ بداية دربهم المهنيّة. تكشف تجربة التّعليم في الورشة الطّلّابَ على دوافعهم الكامنة وتُظهر لهم المعاني المرافقة لخياراتهم الفعليّة. تُتيح سيرورة العمل في الورشة للطّلّاب أن يُحوّلوا تجاربهم الحياتيّة من منظومة من المفاهيم الخام44 نقصد ... إلى بنية تحتيّة من التّصوّرات القِيَميّة، وبذلك فهي تعرض عليهم تصوّرًا بموجبه يكون العمل بمثابة اتّخاذ موقف، وترشدهم نحو البحث عن طرق عمليّة لتحويل أفكارهم إلى تعابير بصريّة. أمّا القسم الثّاني لهذا المقال، فيستعرض تحليلًا بصريًّا وكيفيًّا لمشاريع من هذه الورشة، في سياق عمليّات التّعلّم المعروضة فيها، وذلك لاختبار الادّعاء بأنّ نموذج التّعلّم هذا يلقي الضّوء على السّيرورات العمليّة والتّكنولوجيّة المُكتسبة بموازاة الورشة، وبأنّه يُكسب الطّلّاب مهارات ترتكز على غرس المعاني القِيَميّة في التّصاميم. يدور النّقاش حول الطّريقة التي يؤثّر فيها التّعلّم في الورشة على تصوّر العمل لدى المُشاركين، من خلال المشاريع التي أنتجوها في مساقات المراحل اللّاحقة في التّعليم.
إنّ خير مثال على مشروع يرتقي لرؤيا خرّيجي القسم، وهو مشروع مُميّز من ناحية الجودة المهنيّة، ويعبّر عن موقف شخصيّ ويعكس مسؤوليّة مدنيّة، هو المشروع النّهائيّ للخرّيج آدم شلفي (2016) “קיום” (“وجود).55 ... في بيان التّصريح عن نواياه، ينوّه شلفي إلى أنّ كون البشر على وشك أن يشهدوا سيرورة بيئيّة سوف تغيّر طريقة الحياة على الكرة الأرضيّة دفعه إلى عرض عمليّات طبيعيّة من وجهة نظر جديدة، وذلك تعبيرًا عن تصوّر تعلّق البشر ببيئة حاملة للحياة على سطح الكرة الأرضيّة، وأيضًا لعرض المصمّمين وأصحاب المهن كأصحاب مسؤوليّات تجاه البيئة والمجتمع البشريّ. في الصّورة رقم 1 نعرض أربع معروضات من المشروع، تمثّل ظواهر طبيعيّة اختار شلفي أن ينشغل بها: عاصفة رمليّة تفاعليّة، توتّر السّطح (سطح الماء)، العفن والأشنيات، والنّموّ المُراقَب. يعزل شلفي ظواهر تبدو أساسيّة، كي يتسنّى للمشاهدين أن يخوضوا تجربة التّعجّب وكي يعوا التّوازن اللّازم بين مركّبات الغلاف الجوّي.
خلفيّة – دور أكاديميّات الفنون والتّصميم في تربية خرّيجين تمهيدًا لعصر الواقع غير المستقرّ
في عالم التّعليم والتّشغيل، تُعتبر الأكاديميّات عاملًا مركزيًّا في تحديد مستقبل المُتعلّمين،66 Baldry Chris, ... إذ إنّها الحيّز الأوّل الذي يكتسبون فيه هويّة مهنيّة. علاوةً على ذلك، فإنّ التّوجّهات التي تنطوي على مشاركة اجتماعيّة وخدمة أكاديميّة (social engagement, academic service)77 Crump Jeff R. ... تشدّد على دور الأكاديميّات في تعزيز مشاركة الخرّيجين في البيئة الحياتيّة التي يعملون فيها، وفي إكسابهم مهارات عمل بغية تطوير القِيَم في الحيّز العامّ. تقليديًّا، فإنّ المعرفة في أكاديميّات الفنون والتّصميم تُستقى من جدولين منفصلين ومتوازيين: المعرفة الفكريّة العلميّة (التّاريخ، النّظريّات، التّصوّرات النّقديّة)، والمعرفة العمليّة المهنيّة (الممارسات الخاصّة بكلّ مادّة، التّكنولوجيا) التي تتعلّق بالتّصوّر والتّوجّه.88 Brent Wilson ... أمّا أساليب التّعليم والتّعلّم فهي مصمّمة لغرس الرّوابط بين المعرفة الفكريّة والعمليّة، ولتعزيز التّصوّرات القِيَميّة في تطبيق المعرفة العمليّة، حتّى يتسنّى للخرّيجين العمل بمرونة في واقع يغيب فيه الاستقرار عن حيّز التّشغيل أو أساليب التّعبير الشّخصيّة والمدنيّة. في المراجع، يقترن تطوّر قدرات العمل في هذه السّياقات بتعلّم عماده المساواة والتّنوّع، والملاءمة الشّخصيّة لسيرورات التّعليم ولتطوير المهارات الشّخصيّة، والانكشاف على الواقع بكلّ أطيافه الاجتماعيّة والاقتصاديّة المختلفة، وتعزيز مناليّة التّوجّهات البديلة للثّقافة المُهيمنة، وإكساب المعرفة القيميّة والدّعم في تطبيقها.99 Hativa, N., & ... ويُستخدم خلق الرّوابط بين المعرفة التّمثيليّة المكتسبة وبين أنواع المعارف الأخرى كأداة لتعميق الفهم.1010 Park, P. (1999). ... لتشجيع المتعلّمين على تحويل الصّعيد القِيَميّ الكامن في الممارسة إلى محفّز فاعل انطلاقًا من المسؤوليّة المهنيّة، هناك حاجة إلى دمج الصّعيد القيميّ والممارسة المهنيّة، وتوجيه المُتعلّمين إلى خلق أنماط جماليّة جديدة تغرس أيضًا تغييرات قيَمِيّة. يدّعي غريندون (Grindon)1111 Grindon, G. (2012). ... أنّ التّعبير الجماليّ للعمل في السّياق الاجتماعيّ، والثّقافيّ والبيئيّ ليس منفصلًا عن الإتيان بالأفكار بحدّ ذاتها وتخطيط الأساليب لنشرها. حريّ بمكوّنات الحوار أن يسهل تمييزها بصريًّا، إذ تتجذّر فيها توجّهات ثقافيّة عامّة ومسلّمات بصريّة وجماليّة محلّيّة.1212 راجعوا ... لذا، فعلى التّربية الأكاديميّة على الفنون والتّصميم أن تكون رأس الحربة في تشجيع الطّلّاب على المشاركة المدنيّة وعلى العمل انطلاقًا من محفّز شخصيّ.1313 Michaels, S., ...
يستند نموذج التّعلّم في ورشة أفكار التّصميم إلى تصوّر بموجبه اختبار السّيرورات التي تدمج بين قيم مهنيّة ومواقف قِيَميّة، تغرس تصوّرات عمل بتحفيز شخصيّ، كما تغرس الوعي المدنيّ، وهي تعتمد، تربويًّا، على توجّه تعليميّ صريح ومباشر. وفي دمج الورشة في البرنامج التّعليميّ للسّنة الأولى تشديدٌ على أهمّيّة المعرفة العمليّة وسياقاتها الفكريّة كـ “موادّ خام” مبدئيّة، يتمّ تعلّمها كأساس تحضيرًا للممارسة العمليّة للتّصميم والفنون.
اختيار التّدريس المباشر والصّريح كطريقة لتعزيز التّعلّم المعنويّ
في طريقة التّدريس المباشر والصّريح (direct-instruction)، وعلى خلاف التّدريس غير المباشر، يُشير المُرشد أمام الطّلّاب إلى غايات التّدريس والتّعلّم، ويصف المفاهيم والمهارات المتوقّع أن تتطوّر خلال التّعليم، ويفحص مع المُتعّلمين درجة تطبيقهم للغايات الموضوعة. في أبحاث أجراها، وجد البروفيسور جون هاتي1414 Hattie, J. (2009). ... أنّ التّدريس المباشر هو من أكثر أساليب التّدريس نجاعة.1515 Hattie, ibid., pp. ... أمّا عالم الاجتماع بازل برنشطاين1616 Bernstein, B. ... فيدّعي أنّ التّدريس الصّريح يوفّر فرصًا متساوية للتّعلّم لمشاركين من خلفيّات اجتماعيّة، واقتصاديّة، وعمليّة متنوّعة، وذلك على خلاف التّربية الخفيّة التي تعرض معايير التّقييم ومفاهيم التّعلّم بإبهام، والتي تلائم المُتعلّمين القادمين من مكانات اجتماعيّة متمكّنة. لا يربط التّدريس الصّريح إمكانيّات فكّ لغز السّيرورات برأس المال الثّقافيّ، بل بحوار مفتوح وملموس من الأفكار، والمفاهيم، والمهارات. لذلك، فإنّ التّدريس الصّريح ناجع أيضًا في تقليص الفجوات الثّقافيّة والاجتماعيّة، إلى جانب التّدريب المهنيّ، وذلك دون الانتقاص من أفكار التّعلّم المعنويّ. إنّ التّدريس المباشر بمجموعات غير كبيرة (حتى 15 مشتركًا، تقريبًا) يتيح، كذلك، توجيه السّيرورة الشّخصيّة لدى كلّ واحد من المشتركين بشكل متتابع، وتعقّب نجاعة اكتسابه المعارف ومهارات التّفكير، وتمييز حالات معيّنة تحول دون التّعلّم المعنويّ.
يعيب النّاقدون التّدريس المباشر لتعلّق التّعلّم بأداء ومهارات المُرشد الذي يُقدّم المعارف والمضامين، وذلك على خلاف التّدريس غير المباشر، والذي يكتسب فيه المشاركون المعارف بأنفسهم، من خلال تعلّم ينجزونه خلال فترة زمنيّة يحتاجونها هم. يدّعي المعارضون أنّه في التّدريس المعنويّ ينبغي على المُرشد أن يعمل في الخلفيّة بشكل مُعرّف مسبقًا. لذلك، فإنّ اختيار الإستراتيجيّات التّربويّة المُطبَّقة في ورشة أفكار التّصميم تتعلّق بتركيبة المجموعة، وبالظّروف التي تنشأ بين المُتعلّمين وبالتّنوّع الثّقافيّ والاجتماعيّ فيها. إنّ نموذج التّدريس المعنويّ في الورشة يتعلّق بقرارات الإرشاد وبتشغيل مبادئ تدريس متنوّعة (راجعوا التّفصيل في ما يلي) تأخذ في الحسبان مركّبات المجموعة. إنّ مسؤوليّة اتّخاذ هذه القرارات واختيار مبادئ العمل المعيّنة تتطلّب من المرشد استمراريّة في الاستكمال المهنيّ، بغية إنعاش معارفه العمليّة والتّربويّة واكتساب المرونة.
ورشة أفكار التّصميم – من الموادّ الخام وحتّى الأخلاقيّة البصريّة
إنّ الهدف المركزيّ من الورشة هو تعزيز إستراتيجيّات التّفكير القِيَميّ،1717 راجعوا ... وهي تستند إلى نموذج تعلّم تمّ تعريفه بشكل يشجّع المُتعلّمين على تحمّل مسؤوليّة الرّابط بين الجماليّة والمعنى. تطوّر هذا النّموذج كطريقة تدمج قيمًا مهنيّة، واجتماعيّة ومدنيّة، وتُؤسّس إستراتيجيّة عمل شخصيّة مغروسًا فيها التّفكير النّقديّ.1818 Brown P.H., ... في حيّز التّعليم الذي يتطوّر خلال المساق، تطفو إلى السّطح سرديّات مختلفة تعكس، من جهة، تجارب وأفكار معاصرة في ما يتعلّق بكلّ واحد من أبعاد الواقع، ومن جهة أخرى، سرديّات شخصيّة ذات وجهات نظر محلّيّة. تعتمد اللّقاءات على حلقة الدّراسة بحسب كولب وبيري1919 Smith, M. K. (2001, ... (Smith 2001, 2010) وتدمج تجارب جديدة، وتأمّلات، وإمعان، وتجريد، وتحليل لظروف جديدة في دوّامة متتالية. بهدف تعزيز الفكر النّقديّ وبناء المعنى، تُلقى على المُتعلّمين تحدّيات عمل تتطلّب منهم التّفكير على مستوى رفيع: أسئلة مفتوحة، مناقشة معضلات، تطوير إستراتيجيّات للحلّ، التّمرّن على التّفكير الميتا-إدراكيّ وكشف محفّزات العمل الشّخصيّة.2020 Buehl, M. M. & ... تشجّع النّقاشات الطّلّاب على التّعاون كإستراتيجيّة تواصل، وهي تمرّنهم على اتّخاذ موقف، واستخدام ادّعاءات بحسب نظريّات ملائمة للسّياق، وترتيب المعارف الجديدة. أمّا الجانب العمليّ للمهامّ فيضع أمامهم تحدّيّات بصريّة تتطلّب منهم بلورة حلول، مصحوبة بتحويل المعارف العابرة للمجالات واستخدام الأدوات المختصّة.
يعتمد التّعلّم على ثلاثة افتراضات مركزيّة:
- – إنّ الانشغال بالمسائل القِيَميّة والمسؤوليّة المهنيّة هو جزء لا يتجزّأ من الانشغال بالسّيرورات المادّيّة والتّكنولوجيّة.
- – الرّابط بين المعنى القِيَميّ وذلك البصريّ في المنتجات المهنيّة غير قابل للفكّ.
- -إنّ النّشاط المهنيّ هو طريقة عمل بديلة2121 Gilles Deleuze, ... تسعى إلى إيجاد حلّ يجسّر بين الفجوات ويخلق حيّز عمل مشتركًا بين المركّبات، وذلك بخلاف التّوجه الذي ينحاز إلى اتّخاذ القرارات بشكل هرميّ وترتيب المركّبات بحسب سلّم أولويّات
مبادئ التّعلّم والتّدريس في ورشة الأفكار
إنّ مبادئ التّعلّم المُطبّقة في الورشة، بالإضافة إلى توقيت تطبيقها وترتيبها خلال الورشة تتحدّد كلّها بناءً على خيارات المُرشد وتتعلّق بتركيبة المشتركين، وقدراتهم، والمناخ الاجتماعيّ الذي يتبلور بينهم. إنّ تحليل الأمثلة في سياق مبادئ التّعلّم والتّدريس المُستخدمة في الورشة هو تحليل بصري وكيفيّ. نختبر تأثير هذه الخطوات على نتائج التّصميم بناءً على ثلاثة مصادر: أعمال الطّلّاب (ونستعرض هنا صورًا عنها)، وسجلّ الحوارات خلال تقديم الأعمال (ونستعرض هنا انطباعات عنها) ومقابلات معمّقة مع المشاركين (نشمل هنا اقتباسات عنها).
“إطار معكوس”
إنّ المبدأ المركزيّ في الورشة يتطرّق إلى التّجربة الشّخصيّة، التي تحصل في إطار الحياة خارج العالم الأكاديميّ، بمثابة سيرورة تعلّم2222 שמיר-ענבל, ... بالغة الأهمّيّة، ويستغلّ اللّقاءات لمعالجة المعضلات وعكس المعاني المختلفة المنبثقة عنها. يتيح هذا التّجريب للمشاركين أن ينعموا النّظر في التّجارب الخام الخاصّة بهم خارج العالم الأكاديمي، وتفحّصها بطريقة قِيَميّة لبلورة بنية تحتيّة فكريّة منها، بشكل واعٍ. تتحوّل التّفاعلات بين الطّلّاب أنفسهم وبين الطّلّاب والمرشد إلى تفاعلات مُلاءَمة بشكل شخصيّ، تعزّز التّعلّم الفعّال، إذ إنّ الحيّز في هذه اللّقاءات غير منوط بالزّمان أو بالمكان. تجربة المشاركين ذاتها هي أيضًا فعّالة، إذ إنّهم يقودون النّقاش، ويقترحون معاني ويتشاركون في التّعلّم من خلال استخلاص القِيَم في عدد غير محدود من الفرص. بحسب هذا التّصوّر، يكتسب المتعلّمون مهارات التّوجيه الذّاتيّ ويطوّرون قدرات الفكر النّقديّ من خلال استخلاص العِبَر. بدل التّعلّم المُوجّه نحو المعارف، تتصرّف مجموعة الدّراسة كمخزون من الخبراء، وتسعى السّيرورة إلى تنظيم المعارف القائمة من جديد، وإدارة المعارف الدّيناميكيّة، والتّفكير الفوريّ.
حول العمل المعروض في الصّورة رقم 2، أخبرتنا أنطناش يالاو:2323 أنطناش ...
“تُعنى هذه المعروضة بموضوع هويّتي. منذ بداية المدرسة الإعداديّة وحتّى نهاية المرحلة الثّانويّة كنت أُدعى “عنات”، ولم يكن ذلك باختياري. في المدرسة الابتدائيّة التي درست فيها، أقنعتني إحدى المعلّمات أن أُعَبْرِن اسمي وأن أغيّره إلى “عنات” بدل “أنطناش”، حتّى دون طلب إذن من والديّ. ظنّت المعلّمة أنّ اسمي طويل وتهجئته صعبة، وأنّ تغييره سوف يساعدني على الاندماج في المجتمع الإسرائيليّ. كان تغيير الاسم قرارًا صعبًا بالنّسبة لي، بل كان قرارًا مُبلبلًا، إذ استمرّت عائلتي وأعمامي بمناداتي “أنطناش”، في حين ناداني المعلّمون والأصدقاء في المدرسة “عنات”. طوال تلك الفترة كلّها، شعرت بأنّ اسم “عنات” لا يُمثّلني بأيّ طريقة، ولم يكن قريبًا لمعنى اسمي الأمهاريّ. مع انتهاء المدرسة الثّانويّة، بدأت تدريجيًّا بالعودة إلى اسمي الأمهاريّ، وصرت أعرّف عن نفسي كـ “أنطناش”. أدركت أنّني لست بحاجة إلى إرضاء المجتمع الإسرائيليّ، بل على المجتمع أن يضمّ في داخله المُغاير وأن يتربّى على تقبّل الآخر. تشيع عَبْرَنَة الأسماء في الأساس لدى أطفال لديهم درجة أقلّ من الوعي حيال هويّتهم. اخترت أن أنقل هذا الشّعور إلى معروضة – الشّعور بأنّك تستطيع أن تنتمي إلى مجتمع وصلت إليه دون أن تمحو هويّتك أو أن تفكّ الرّباط بالتّقاليد والحضارة التي قدمت منها.”
تطوّر عمل يالاو على مرحلتين. في المرحلة الأولى، التي تظهر في خلفيّة الشّريط رقم 1، طلبت الإرشادات وصف معضلة بشكل تشكيليّ، وفي المرحلة الثّانية (راجعوا الشّريط رقم 2) طلبت الإرشادات تطوير مركّب بصريّ بناءً على المرحلة الأولى لإنتاج بورتريه ذاتي. اتُّخِذ قرار تطوير التّمرين من المرحلة الأولى إلى مرحلة إضافيّة فقط بعد تقديم نتيجة المرحلة الأولى، التي فيها عرض جميع المشتركين أعمالًا كانت مشحونة بمعضلات شخصيّة تمسّ مواضيع مصيريّة بالنّسبة لهم. كانت المرحلة الأولى عبارة عن التمرين الرّابع في ذلك الفصل، وقد جرى ذلك في الأسبوع السّادس من أصل 13 أسبوعًا في الفصل الواحد. في مجموعة ورشة أفكار التّصميم التي انتمت إليها يالاو، نما بين الطّلّاب، حتّى في تلك المرحل المبكرة، جوّ من المشاركة، والانفتاح، والالتزام. في حوار تلخيصيّ بادرت إليه المرشدة في القسم الأخير، بعد أن قدّم كلّ المشتركين أعمالهم، علا استنتاجان أساسيّان: شعر المشتركون بالالتزام وبوجوب التّطرّق إلى المهامّ بجدّيّة والمساهمة في النّقاش بمضامين ذات معنى، واكتسبوا كذلك تقديرًا الواحد للآخر، ومن هنا ينبع الفضول لحصول بعضهم على آراء بعض بخصوص المواضيع التي تشغلهم. في المرحلة الأولى، ردًّا على موضوع “المعضلة”، أنتجت يالاو دوّامة خيل (carousel) من الأحرف التي تكوّن اسمها بالأمهاريّة والعبريّة. تدلّت الأحرف، كلّ على ارتفاع مختلف، ولكلّ منها حجم مختلف ولون مختلف، مصطفّة على دولاب يدور بحركة دائمة. بسبب الحركة غير المنقطعة وعدم ترتيب حروف كلتا اللّغتين، لم يكن في الإمكان تمييز أيّ كلمة ذات معنى.
إنّ القراءة البصريّة السّائدة في الفترة الحاليّة ولّدت لدى المشاهدين رغبة في إيجاد ترتيب بين الأحرف، بحسب عوامل مختلفة أو على الأقل بين الأحرف التي كان في الإمكان التّعرّف إليها في العبريّة. تولّد انطباع بأنّ الفوضى وعدم النّجاح في تمييز الكلمات يعتمدان على الحركة غير المنقطعة التي تهزّ الأحرف وتقلبها دون إمكانيّة إيجاد رابط بينها. بعد مرور بضع دقائق خُصّصت لمعاينة العمل، أخبرت يالاو المجموعة أنّها كلّما فكّرت أكثر بموضوع التّمرين – “معضلة” – تعاظم لديها الشّعور بأنّها غير قادرة على “الإفلات” من الرّغبة في التّطرّق إلى ذاكرة تغيير الاسم الصّعبة تلك، وإلى بلبلة العواطف التي سبّبها لها ذلك التّغيير. بعد مرحلة إبداء الرّأي التي حصلت خلالها على آراء سائر المشاركين والمرشدة، أضافت يالاو أنّه في أعقاب الانشغال بموضوع العمل، تحدّد لديها إدراك بأنّ الشّعور بالظّلم الذي ألمّ بها تولّد لأنّهم توقّعوا منها أن تتغيّر، بدل أن يتقبّلوها كشخص آخر، وهي تشعر أنّ قرارها بالعمل على هذا الموضوع ساعدها على بلورة أجندة اجتماعيّة لنفسها. إنّ البورتريه الذي صمّمته في المرحلة الثّانية مقسّم إلى قسمين، كأنّه بورتريهان متّصلان الواحد بالآخر ومعروضان على خلفيّة تصوير فيديو لدوّامة الخيل من المرحلة الأولى وهي تدور. في تطرّقها إلى البورتريه، قالت يالاو:
“صنعت البورتريه من أسلاك معدنيّة تمثّل تعقيدات الهويّة لديّ”.2424 راجعوا ...
لتلخيص العمليّة والأفضليّة الكامنة في المهامّ التي تُثير حسّ التّجربة في “الإطار المعكوس”، يمكننا القول إنّ العملين أثارا نقاشًا بدأ بتناول أسئلة عامّة حول الهجرة واستيعاب المهاجرين، وأثار مسألة المهاجرين العاملين وطالبي اللّجوء في إسرائيل، ثمّ تحوّل النّقاش إلى موضوع استيعاب اللّاجئين الإثيوبيين في المجتمع الإسرائيليّ. كان الحوار مركّبًا ومتعدّد الأوجه، إلّا أنّه ولكون الرّسالة شخصيّة معروضة بشكل مباشر دون وساطة، فقد كانت التعابير مضبوطة وغير غاضبة. تطوّرت السّيرورة الشّخصيّة للطّالبة، ولدى سائر المشاركين أيضًا، على مرحلتين: من تمرين عن وصف المعضلة كتجربة حقيقيّة وإلى وصف التّجربة الشّخصيّة. وقد أتاحت لهم الفترة الزّمنيّة بين المرحلتين أن يذوّتوا التّعقيد الكامن في الحالة وكذلك أن يردّوا عليها بانفتاح. أمّا السّيرورة الشخصيّة التي خاضتها يالاو، فبدأت بخطوة حدسيّة عرضت خلالها تجربة شخصيّة من ماضيها، هي أشبه بمادّة خام تجريبيّة. أمّا معالجة التّجربة في مرحلة لاحقة، فأتاحت لها صياغة بنية تحتيّة قِيَميّة تعبّر عنها، تشكيليًّا ومهنيًّا.
التّعلّم من خلال التّجريب
إنّ التّجريب خلال سيرورة التّعلّم هو تكتيك لتطوير2525 Kolb, D. A. (1984). ... محفّز عمل شخصيّ يُشجّع على دمج المهارات الشّخصيّة والتّفضيلات الثّقافيّة، إضافة إلى المعرفة المهنيّة. التّعلّم من خلال التّجريب يشمل أيضًا التّعلّم عن طريق اللّعب، وتجارب تعريف المشاريع (PBL) والتّصميم (UBD)،2626 PBL-Project Based ... والتّعلّم بالمحاكاة2727 Beard, C. and ... وبالتّفكير. إنّ التّعلّم من خلال التّجريب هو سيرورة طبيعيّة2828 راجعوا ... تحصل عند اللّقاء المباشر مع الظّاهرة، حتّى يتمّ، في أعقابه، تطبيق المعرفة المهنيّة والمهارات المادّيّة والفنّيّة،2929 Brookfield, S. D. ... أو من خلال لقاء يعكس التّجربة المباشرة في الحياة اليوميّة لتحفيز التّعلّم القِيَميّ والمفاهيميّ.3030 Houle, C. (1980). ... انعكاس الأمور اليوميّة في لقاءات الورشة يوجّه المتعلّمين نحو صياغة أساليب عمل لأنفسهم عن وعي وإدراك كمهنيّين.
العمل المبيّن في الشّريط رقم 2 هو عرض صُمِّم في سياق إرشاد باختيار ثلاث كلمات من إحدى صفحات كتاب ما. اختارت أفيف لاه عوز كليف كلمات من كتاب “بدولينا” من تأليف شلومو نيتسان، وحفّزتها هذه الكلمات على كتابة أغنية وتلحينها. في عرض أمام مجموعة التّدريس، نفخت بالونًا أزرق،3131 اختارت ... ثمّ عزفت وغنّت مقطوعات شخصيّة وفي النّهاية فرقعت البالون. هذا العرض الخالي من الوساطة، كما الطّبقة الإضافيّة التي تنطوي على الإشارة إلى البداية والنّهاية مستخدمةً استعارة البالون المفرقع، ساهما في التّجربة المباشرة التي خاضتها مجموعة التّدريس، وغرسا في الذّاكرة الطّويلة الأمد تجربةً من الفعل في الحيّز الذي تكوّن خلال الورشة. لإنتاج العمل، جنّدت عوز كليف مهاراتها الشّخصيّة وحدّدت لنفسها تحدّيًا متعدّد الطّبقات: الكتابة، والتّلحين، والعرض.
سيرورات “عدم المعرفة”
التّعلّم هو سيرورة من البحث، والاكتشاف، والقناعة الشّخصيّة.3232 יעקב הכט, ... إنّ تمكين المتعلّمين في أعقاب التّعلّم يحصل في الزّمن الحاضر، أكثر من أيّ زمن آخر. في المساق، تُعرَض على المتعلّمين مهامّ يختبرون في أعقابها حركة بين عدم المعرفة والمعرفة: انطلاقًا من حالة عدم المعرفة، ما هو الاتّجاه الذي يمكننا التّقدّم نحوه في السّيرورة، نحو حالة من اكتشاف عوالم جديدة. داخل إطار محميّ ذي قواعد، تُحاكي سيرورة التّعلّم واقعًا يتيح حيّزًا للتّمرّن والتّدرّب بواسطة توجّه اللّعب (Play). أفضليّة هذه الطّريقة هي إمكانيّة التّجريب والمشاركة بشكل فعّال، والجرأة على مواجهة التّحدّيات دون المخاطرة.3333 ... الهدف المركزي من تشغيل أساليب عدم المعرفة هو مواجهة ظروف في الحياة اليوميّة، كشف المفارقات والتّمرّن على إيجاد حلول تتجاوز العتبة. العمل المبيّن في الصّورة رقم 3 هو تأويل لمهمّة بعنوان “1,2,3,4” وهو وصف بلاغيّ لأربعة متسلّقي جبال منحوتين بالشّوكولاتة البيضاء، على خلفيّة شريط تظهر فيه مجموعة من أصدقاء الطّالبة وهم يغنّون. إنّ العنوان
“الأكمد” للمهمّة يهدف إلى جعل إستراتيجيّات العمل الاعتياديّة لدى المشتركين غير ضروريّة، وإلى إلغاء مسارات التّفكير المعروفة وتحفيزهم على اكتشاف مصادر إلهام جديدة. تخبرنا الفنّانة نوعا لامدان أنّها، وبعد أن واجهت صعوبة لعدم وجود “أيّ طرف خيط أتشبّث به”، قرّرت التّعبير عن صعوبة أخرى واجهتها في رحلتها بعد الخدمة العسكريّة، وذلك على خلفيّة شريط يصف التّجربة الممتعة في الخدمة بحدّ ذاتها. تحوّلت التّرجمة الحرفيّة للعنوان إلى شيء ثانويّ (حجم مركزيّ واحد، نوعان من الشّوكولاتة، ثلاث حالات، وأربعة متسلّقين) مقابل سعة الحيلة التي قادت لامدان إلى حلّ حالة عدم المعرفة تلك بشكل إبداعيّ. تنعكس الرّغبة في حلّ التّحدّي أيضًا في اختيار الموضوع، إذ تصف لامدان التّحدّي الكامن في التّسلّق خلال الرّحلة التي تخبرنا عنها. أتاح لها الانشغال بالتّحدّي كتجربة خام أن تحوّله إلى قيمة بصريّة في الممارسة المهنيّة.
التّعلّم الفعال
في هذا النّوع من التّعلّم، يؤسّس المتعلّمون أعمالهم على المبادرة الشّخصيّة التي تُتيح لهم اختبار العلاقات المتبادلة المُتعدّدة الأبعاد بين عمليّة التّصميم / الفنّ، وبين المبادرة، والتّطوير، والإبداع وتأثيراتها على الواقع المدنيّ. خلال الورشة، يُطلب من الطّلّاب أن يعملوا في حيّز مفتوح لا توجد فيه تقييدات عمليّة (من حيث الموادّ، التّكنولوجيا، الجمهور الهدف…). تتطلّب منهم بداية العمل تعريف إطار، وفي غياب إرشادات عينيّة، فإنّهم يختارون ظروف عمل نابعة من سلّم أولويّاتهم الشّخصيّ ومُتعلّقة بتصوّرهم للعالم. من ناحية السّيرورة، فإنّ تصوّر المشتركين للعالم في تلك اللّحظة هو المادّة الخام الأساسيّة. تهدف عمليّة التّعلّم إلى السّماح لهم بالعمل على تحويل المادّة الخام الشخصيّة إلى تعبير قِيَميّ وإكسابهم أساليب لاستخدامها عن وعي وإدراك.
في الصّورة رقم 4، يظهر عمل تطوّر في أعقاب ثلاث كلمات من إحدى صفحات كتاب ما. اختارت ياقوت أبو كف كتابًا باللّغة العربيّة يُعنى بالنّسويّة المُعاصرة، واختارت من صفحة معيّنة في الكتاب هذه الكلمات: “فساد، صراع، تمرّد”. كانت المرحلة الأولى في العمل اختيار كتاب يُعنى بموضوع يُثير اهتمامها. أمّا في المرحلة الثّانية فاختارت ثلاث كلمات من الصّفحة 16 في الكتاب، بحسب الإرشادات. شكّلت هذه المرحلة فرصة للخروج من الإطار النّظريّ والعلميّ للكتاب. اختيرت الكلمات من الكتاب المعيّن الذي تعاطفت أبو كف مع موضوعه، إلّا أنّ الإرشاد باختيار الكلمات عشوائيًّا من صفحة ما أتاحت لها كفنّانة شعورًا بحرّيّة الحركة بخصوص الموضوع. انطلاقًا من إحساسها بأنّها غير مقيّدة بوجهة النّظر الكامنة في النّصّ، صاغت أبو كف من الكلمات فكرة، أي أنّها حوّلت الموادّ الخام التي جمعتها من النّصّ إلى موقف مبدئيّ، وفي مرحلة لاحقة اختارت كذلك عناصر بصريّة تعبّر عن الفكرة. إنّ تحويل الفكرة إلى مفهوم هي سيرورة من المبادرة الفعّالة واختيار العناصر البصريّة – سيرورة من التّعلّم الفعّال.
أتاحت لها هذه العمليّة، بدايةً، تحديد موقف ضمن الموضوع العامّ، ثمّ تحويل هذا الموقف إلى عمل تشكيليّ. في عملها النّهائيّ، غرست أبو كف نبتة في صدع موجود في الحيّز المركزيّ لقسم تصميم الخزف والزّجاج، وخلال تقديمها العمل، شرحت عن علاقته بالكلمات المُختارة. بصريًّا، عرضت أبو كف على المجموعة موقفها الشّخصيّ المؤيّد لتوجّه التّمرّد، من خلال الاعتراف بأنّ الهويّة (الأنا) المستقلّة (الاستقلاليّة) مرتبطة بالجذور، بالأرض التي نمت فيها. وجدت أبو كف في التّمرين فرصة للتّعبير عن التّأويل البصريّ الخاصّ بالأجندة السّياسيّة المُبلوَرَة لديها.
التعلّم الإيجابيّ اجتماعيًّا وقِيَميًّا
يُتيح تطوير البنية التّحتيّة للتّفكير المعنويّ والقِيَميّ للطّلّاب أن يُذوّتوا التّفكير النّقديّ بشكل يُلازم عمليّات الإنتاج الخاصّة بهم في طيف واسع من الجوانب، ابتداءً بالصّعيد الفنّيّ (مسائل بخصوص تكلفة الإنتاج، تكاليف الطّاقة، مسائل الاستدامة)، وانتهاءً بمعنى العمليّة التّصميميّة في السّياق الثّقافيّ والاجتماعيّ المُعيّن. يشدّ التّعلّم القِيَميّ والنّقديّ الوثاق بين مجالات المعرفة والميل إلى العمل الإيجابيّ اجتماعيًّا3434 Brown P.H., ... وهو يرفع من مناليّة الأساليب الشّموليّة للدّمج بين عناصر متعدّدة الجوانب3535 Nerstrom Norma ... ومركّبة من ناحية قِيَميّة.
تطوّر العمل بعنوان “التئام” (المبيّن في الصّورة رقم 5) من سلسلة من الصّور نحو شريط فيديو (الشّريط رقم 3). تتحدّى أفيف لاه عوز كليف المفهوم ضمنًا في مفهوم الـ “التئام” وتُثير تصوّرات جندريّة معاصرة. تُعنى سلسلة الصّور بالأشكال الكلاسيكيّة للأنوثة. بحسب لاه عوز كليف، لا يُمكن طمس هذه الأشكال، وأيّ محاولة لإخفائها أو غسلها مصيرها معاكس، إذ تتحدّد هذه الأشكال أكثر.
أمّا شريط الفيديو الذي تطوّر من هذه الأشكال، فيخطو خطوة فكريّة واحدة نحو حلّ ممكن بحسب لاه عوز كليف، إذ يعرض حالة من السّيولة الجندريّة، ليطمس الحدّ بين الحميميّة والعموميّة، ويستعرض بالصّوت والصّورة طقس انتقال يكاد يكون غير محسوس من نوع اجتماعيّ واحد لآخر.
تدريس مباشر
يتعامل التّدريس المباشر مع المتعلّمين كشركاء في عمليّة التّعلّم. كي يكون التّعلّم جوهريًّا، فإنّ أهداف الورشة والمهارات التي تنوي السّيرورة إكسابها موصوفة جميعها في المنهج بوضوح.3636 Hattie, J. (2009). ... في المقابل، فإنّ تعريف المهامّ مجرّد، غير محدّد، ولا تصحبه تأويلات أو تفسيرات. الأمثلة المعروضة في الصّورة رقم 6 والشّريط رقم 4 تصف تأويلًا شخصيًّا لمهمّة بعنوان “أكمد”، كتعبير تشكيليّ عن “انفجار” أو “غرض لفسحة غير متوقّعة”.
أربعة أنواع من التّفاعلات التّدريسيّة التّعلّميّة
من بين أنواع التّفاعلات المعروفة في المراجع،3737 Bernard, R. M., ... نطبّق في ورشة الأفكار أربعة أنواع من التّفاعلات التّدريسيّة التّعلّميّة:
(1) الطّالب كمرشد – يُثير موضوعًا، يتّخذ موقفًا ويشرح دوافعه (راجعوا الشّريط رقم 5). يتطرّق عمل الفيديو الذي أنتجه نوعام يزراعيلي إلى مهمّة “أنا في الحيّز”، حيث يصوّر نفسه وهو يتعلّم الرّقص من شريط فيديو مع موسيقى راقصة، وهو يتطرّق بذلك إلى التّحدّي الذي وضعه لنفسه، وهو حلّ شعور الغربة ذاك الذي يختبره في مناسبات الرّقص. أتاحت سيرورة الورشة ليزراعيلي أن يقوم بتحويل تجربة خام، هو واعٍ لها في حالته، إلى تصوّر قِيَميّ صاغه بشكل بصريّ. اختيار العناصر البصريّة التي تمثّل فكرته حوّل بحدّ ذاته المادّة الخام التّجريبيّة إلى تصوّر قِيَميّ.
(2) بين المرشد والطّلّاب – يعرض المرشد معضلة، ويتطوّر حولها تعلّم من خلال النّقاش (راجعوا الصّورة رقم 7). ولّد التّعاون بين نوعام يزراعيلي ودانا تئير، ردًّا على مهمة “التّفاني”، العمل الاستعراضيّ “طقس التّنصّل”. تحوّل تعريف “التّفاني” إلى آليّة العمل. نزولًا عند طلبهما، شاركت بقيّة الحاضرين في الطّقس، فمرّروا وهزّوا نوعام في ما بينهم، وكان مكسوًّا بمادّة خزفيّة، وذلك لإزالة الكساء عنه.
(3) الطّلّاب كمبادرين – توجيه المضامين إلى المرشد. في العمل الظّاهر في الصّورة رقم 9، طلبت شاكيد كوهن أن تدرَس إمكانيّة خرق الحدود في إطار التّعلّم في الورشة.
(4) التّفاعل بين الطّلّاب – مشاركة عمليّات التّفكير، والعمل، والإنتاج (كما في الصّورة رقم 8). تُشير الأبحاث3838 راجعوا ... إلى أهمّيّة دمج أنواع التّدريس والتّعلّم المختلفة لبناء قدرات الطّالب بصفته منتجًا ذا وعي قِيَميّ وأنظمة مهنيّة وأخلاقيّة. كاترينا زومر، وهي طالبة من كولن أتت في إطار التّبادل الطّلّابيّ، أخذت في الحسبان أنّ المشاركين في المجموعة هم جزء من تقديم العمل، ولاءمت المُخرجات إليهم بشكل شخصيّ.
من المادّة الخام إلى المخلوق
تقدّم ورشة الأفكار تصوّرًا تدريسيًّا يُعزّز التّفكير الفعّال والإيجابيّ اجتماعيًّا كـ “مادّة خام” مهنيّة غير منفصلة عن التّعليم الأساسيّ. يُتيح جمع أعمال المشاركين في الورشة وتحليلها تحسينَ وتطوير التّماس بين الموادّ الخام الفكريّة والمعارف البديهيّة لدى المشتركين وبين ميول العمل الشّخصيّة التي تتطوّر خلال السّيرورة. وإذا أنعمنا النّظر وحلّلنا أعمال مشتركي ورشة الأفكار في سنواتها الخمس حتّى الآن، نجد خير دليل على أنّ الطلّاب يختارون أن يستخدموا، وإن لم يكن ذلك عن إدراك، تعابير بصريّة تعكس أفكارًا ومضامين شخصيّة تعبّر عن تصوّرهم للعالم. لمناقشة مساهمة ورشة أفكار التّصميم في سيرورة التّعلّم، نستحضر هنا ثلاثة أمثلة (آخرها مفصّل) تنظر إلى ذلك الذي يُمكننا أن نتعلّمه من المقارنة بين المشروع النّهائيّ مع انتهاء السّنة الرّابعة، وبين الأعمال المُنجزة في ورشة الأفكار في السّنة الأولى لدى طلّاب قسم تصميم الخزف والزّجاج.
تسوفنات بوهادانا، خرّيجة فوج العام 2019، بحسب شهادتها الذّاتيّة، فقد كان انشغالها بالنّصوص جزءًا لا يتجزّأ من حياتها، حتّى قبل وصولها إلى بتسلئيل للدّراسة. من خلال أسلوب التّعليم في ورشة الأفكار، تُقدَّم المهامّ للطّلّاب كتعريفات معنويّة كمداء قصدًا، كي يستخلص الطّلّاب منها فكرة ويترجموها إلى تعبير بصريّ. إذا أنعمنا النّظر في أعمال تسوفنات، يُمكننا أن نرى كيف أنّ الورشة كانت بالنّسبة لها فرصة لفحص منظومة التّحوّلات الممكنة بين التّمثيلات الكلاميّة، والبصريّة والمادّيّة للنّص، وهو أمر لم ينفكّ يشغلها حتّى مشروعها النّهائيّ.
في الأعمال المبيّنة في الصّورتين 10 و11، استخدمت تسوفنات بوهادانا خلال ورشة الأفكار في العام 2016 تمثيلات مكتوبة لنصوص معروفة وأخرى شخصيّة. كتبت تسوفنات النّصوص على أوراق (كما يظهر في الصّورة رقم 10) وتقفّت أثر العلاقة الرّمزيّة بين تمثيل النّص بالكتابة وبين التّمثيل الفكريّ. في الصّورة رقم 11، تظهر صورة عن صفحة من التّلمود كمادّة خام تتوسّط، وتصفّي وتفرض على حاسّة النّظر حيّزًا جديدًا، إضافيًّا. في مرحلة لاحقة من تعليمها، استكملت بوهادانا كتابة النّصوص الدّينيّة بأساليب مختلفة (الإسبانيّ والأشكنازيّ) واستخدمت المهارات التي اكتسبتها في مشاريع مختلفة للكتابة على الفخار والخزف.
في مشروعها النّهائيّ في العام 2019 (كما يظهر في الصّورة رقم 12)، عادت بوهادانا إلى الانشغال بالنّصوص الدّينيّة التّقليديّة وتلك الشّخصيّة ووسّعت التّمثيل البصريّ للنّصّ ليشمل تمثيلًا صوتيًّا، إذ سجّلت صوتها وهي تغنّي قصائد تقليديّة في سياق سيرتها الذّاتيّة. في بيان النّوايا لمشروعها النّهائيّ، تطرّقت بوهادانا إلى “نظريّة التّوق”، التي نظمها الشّاعر أفوت يشورون في قصيدة له، مستوحاة من سفر الجامعة:
“كُلُّ ٱلْأَنْهَارِ تَجْرِي إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَٱلْبَحْرُ لَيْسَ بِمَلآنَ. إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي جَرَتْ مِنْهُ ٱلْأَنْهَارُ إِلَى هُنَاكَ تَذْهَبُ رَاجِعَةً. كُلُّ ٱلْكَلَامِ يَقْصُرُ. لَا يَسْتَطِيعُ ٱلْإِنْسَانُ أَنْ يُخْبِرَ بِٱلْكُلِّ. ٱلْعَيْنُ لَا تَشْبَعُ مِنَ ٱلنَّظَرِ، وَٱلْأُذُنُ لَا تَمْتَلِئُ مِنَ ٱلسَّمْعِ”.3939 سفر ...
من السّهل إدراك أنّ المشروع النّهائيّ يشكّل بالنّسبة لها فرصة لفحص مجدّد للمعاني التي تنعكس في النّص، وأنّها اختارت أن تغرس به تساؤلات ومفاهيم نمت خلال بحثها المادّيّ خلال سنوات التّعلّم الأربع.
قدّمت أفيغايل سيغال،4040 أفيغايل ... خرّيجة العام 2018، مشروعها النّهائي “132”، واشتمل على عمل تركيبيّ وعمل فيديو (راجعوا الصّورة رقم 14). تكتب سيغال عن الفكرة التي اختارت أن تعرضها على شكل شخصيّة حاضرة / غائبة في العمل التّركيبيّ وفي شريط الفيديو: “… المرأة كفرد يعمل في الحيّز بمساعدة أغراض خزفيّة رمزيّة … إنّ الغرابة القائمة بسبب إمكانيّة رؤية المكوّنات تخلق حالة عقيمة وخياليّة تهدف إلى تحدّي المُسلّمات الاجتماعيّة الرّوتينيّة”.
بنظرة إلى الوراء، يُمكننا أن نرى أنّه ومنذ عملها في ورشة الأفكار في العام 2015 (المبيّن في الصّورة 13)، ظهرت شخصيّة المرأة العموميّة والأحاديّة اللّون، دون خواصّ شخصيّة، ومصنوعة من موادّ مشحونة لها علاقة بالوظائف التّقليديّة للنّساء في الحضارات القديمة. ردًّا على مهمّة بعنوان “مادّة خام مُصنّعة”، عرضت أفيغايل شخصيّة مصنوعة من أقراص دائريّة من الخشف اللّيفيّ المتوسّط الكثافة (mdf)، ومن حبال خام. عند تقديم العمل، تطرّقت سيغال إلى الفكرة التي أرشدتها في إنجاز المهمّة، وفسّرت أنّها قصدت أن تبحث عن إمكانيّة للتّأثير على الصّورة التي يتعرّف إليها المُشاهدون بواسطة استخدام موادّ مصنّعة أو بواسطة استخدام موادّ أصليّة، وبموازاة ذلك إثارة السّؤال: ما هي الإملاءات الاجتماعيّة التي تفرض علينا أن نتميّز في صورة هذا الغرض شخصيّة امرأة؟
درور شوفال – بعيد بالتّقريب, في الصّورتين 15أ و15ب يظهر عملان من تصميم درور شوفال، وهو من خرّيجي العام 2019، وكان قد أنتج العملين خلال عامه الأوّل للدّراسة في ورشة أفكار التّصميم. تتشابه الخواصّ البصريّة بين العملين؛ في كليهما، يستخدم شوفال الموادّ الخام من الثقافة المحلّيّة ويستخدم أغراضًا رمزيّة جاهزة (ready-made) – كيباه يهوديّة، كوفيّة، وجريدة في العمل الأوّل، وأكياسًا من موادّ البناء في الأخرى. يبرز في العملين الانشغال بمنظومة العلاقات بين الأغراض، واستخدام التّباعد / التّقارب لتعريف منظومة الرّوابط بين مكوّنات المنظومة. ليست الخيارات التّصميميّة لدى شوفال مفهومة ضمنًا. فقراره استخدام الموادّ الخام والأغراض الرّمزيّة، عوضًا عن تصميم أغراض جديدة، هو دليل على أنّ شوفال يُفضّل أن يُعنى بالمعنى وليس بتعلّم المهارات. يتحدّى شوفال نفسه في التّعلّم من خلال اللّعب بموادّ يوميّة للتّفكير، رغم أنّ المُتوقع والطّبيعيّ في بيئة لدراسة مهارات التّصميم، هو الانشغال بالتّلاعب البصريّ بالموادّ الملموسة. كذلك، فإنّ تصوّره بخصوص الحلّ / المشروع كمنظومة من المركّبات هو فعل مستقلّ لا يُستقى من تعريف المهامّ، وهو يُشير إلى ميول شوفال لإحضار تفسيرات شخصيّة للّسيرورة إلى مجموعة التّدريس. في المقابل، عندما يكون المزاج المرافق للانشغال بالتّصميم مسؤولًا عن تعزيز مبادئ الجماليّة الشّعبيّة والإجماع البصريّ، فإنّ خيار استخدام أكياس موادّ البناء المُستعملة أو التّقارب / التّباعد بين الكيباه (الشّخصيّة)، وبين الكوفيّة ومقال الرّأي في الجريدة اليوميّة، يدلّ على أنّ شوفال يجد في المهام فرصة لاستخدام طبقات رمزيّة من عالمه في سير التّعليم.
يُمكننا أن نرى بوضوح أنّه في العملين اللذين أنتجهما في ورشة الأفكار، يعرض شوفال تصوّره للعالم، الذي يفضّل إنعام النّظر في منظومة علاقات آخذة بالتّطوّر بين بعض المركّبات، وذلك بخلاف تصوّر يراها تتّحد في غرض متجانس واحد. وحتّى في تتمّة فترة دراسته، فإنّ إنعام شوفال النّظر في الجمهور المحلّيّ وفي مجموعات الانتساب فيه حصل في أعماله على تأويل أشبه بإنعام النّظر في المركّبات، في الأفراد، في الفسحات بينهم، في التّنوّع الذي يعبّرون عنه، وكيف تُترجم كلّها إلى منظومة من العلاقات المبنيّة بينهم. قد نتصوّر أنّ تمرينًا بعنوان “دعامة لوضعيّة الجسد” يُمكنه أن يتّسم بالجدوى المنطقيّة، إلّا أنّه خالٍ من أيّ سياق فعليّ، أي أنّه غير مرتبط بأيّ غرض موجود في الواقع، ولا توجد فيه أي خواص موضوعيّة يُمكن التّشبّث بها لتصميم حلٍّ. المُعطى المُطلق الوحيد النّابع من تعريف المهمّة هو الرّمز إلى تصوّر غرض قادر على دعم وضعيّة الجسد. حتّى في هذه الحالة، التي فيها المُعطى الوحيد تقريبًا الذي في الإمكان الاستناد إليه عند الحلّ هو وجود غرض مركزيّ، يُفضّل شوفال أن يُقدّم تأويلًا شخصيًّا وأن يفكّك الحلّ إلى غرضين اثنين. حفّز غياب قاعدة المعطيات شوفال على العمل بحرّيّة مطلقة، فلا يشعر بأنّه ملزم بتعريف التّمرين، ولا يشعر بحاجة إلى التّشبّث بالمفهوم الحرفيّ، بل يصبّ في العمل مضامين خاصّة به. يستخدم شوفال، وإن كان ذلك عن غير وعي، الورشة كفرصة لعرض موقف شخصيّ من مواضيع تشغله خارج إطار التّعليم. بحسب مبادئ التّدريس المُتّبعة في الورشة، فما يحصل فيها هو تعلّم بحسب “الإطار المعكوس”، أي تعلّم من عالم المضامين الشّخصيّة، خارج إطار الدّرس، بدلًا من صبّ المرشد المضامين بنفسه.
الحلّ الذي قدّمه شوفال للمهام هو ترجمة تصوّره للعالم إلى تعبير تشكيليّ، وبهذا فإنّه يعرض الدعامة لوضعيّة الجسد كمنظومة من المركّبات التي تُملي العلاقات بينها وظيفة كلّ منها، وتحوّلها أيضًا إلى غرض ذكيّ يُلائم المستخدمين المُختلفين. إنّ القدرة على التّعبير عن المضامين الشّخصيّة، بشكل حدسيّ ودون الاستناد إلى بيانات ومواصفات مُخطّط لها (أي عرض منظومة من كيسين خام معروضين على بعد / قرب معيّنين)، تتطوّر في بيئة تدريسيّة تحرّر العاملين من التزاماتهم للإملاءات وتدلّ على بيئة تعليميّة تشجّع على طريقة عمل تستند إلى المعرفة والتّصور الشّخصيّين.
يتجلّى انشغال درور بمفاهيم البعد / القرب في تعليقه للأكياس على بعد محدّد الواحد من الآخر من جهة، وفي تأويله للقرابة القسريّة بين الكيسين وبين الحائط بواسطة تثبيتهما بالمسامير، وفي العمل الثّاني يتجلّى ذلك في الرّبط البصريّ بحدّ ذاته، بين الكيباه، والجريدة، والكوفيّة، من خلال إخراجها من السّياق الذي تُستخدم به وتعليقها على ارتفاع مشابه. إنّ طابع المهام التي أسفرت عن أعمال درور في الورشة وتعريفها (سلسلة لغرض شخصيّ ودعامة لوضعيّة الجسد) كمهام خالية من أيّ نيّة تصميميّة، جماليّة، شكليّة، أو مادّيّة هدفا إلى تفريغ عالم المضامين البصريّة المفروض على المُشاركين، وإلى تحفيزهم على عرض عالم التّصوّرات، والمعاني، والتأويلات التي تشغلهم، والتّعبير عن تصوّرهم للعالم من خلال السّيرورة. باستخدام مبادئ مثل “عدم المعرفة” في الورشة، لا يُجبر المشاركون على التّشبّث بعوامل قائمة، بل تشجّعهم الإرشادات على الاعتماد على ميولهم الخاصّة وتوجّههم نحو تطوير أساليب عمل شخصيّة. لذلك، يلتقي المشاركون بعوالم مضامين قريبة منهم، ويستخدمون المعارف بشكل حدسيّ.
الصّورة رقم 17 هي مخطّط لمشروع شوفال النّهائيّ من العام 2019، من مرحلة التّخطيط الحيّزيّ للمشروع. تعكس الصّورة استخدام شوفال مجدّدًا لإستراتيجيّات عمل مشابهة لتلك التي استخدمها في الورشة الفكريّة: عزل الأغراض بواسطة نصبها في حيّز “مسطّح”، وبحث الأبعاد بين الأغراض المختلفة بغية إثارة أفكار بخصوص ماهيّتها ودرجة الرّبط المُمكنة بينها، واستخدام جماليّة المواد الخام الرّمزيّة. إنّ استخدام منظومة من الأغراض، وموادّ خام رمزيّة، وجماليّة شخصيّة حاضرة جميعها أيضًا في العمل النّهائيّ، كما يُمكن لمسها في الصّورتين 16أ و16ب. في الفكرة الأوّليّة عن نصب المشروع النّهائيّ، تطرّق شوفال إلى الاسم “فكرتان عن الخبز”. العنوان المؤقّت الثّاني كان “رجلخبزعصفور” (رجل، خبز، عصفور). تبدّل عناوين المشروع وانتشار المركّبات في الحيّز في المخطّط تدلّ على انشغال شوفال في الرّوابط، أو بالمقابل بطمس الفروقات بينها، وهي أفكار عملَ شوفال على فكّ سرّها في ورشة الأفكار في السّنة الأولى، وعاد إليها في مشروعه النّهائيّ في السّنة الرّابعة. بخصوص مشروعه النّهائيّ، كتب شوفال: “كانت نقطة انطلاقي هي أنّني أردت أن أصوغ منظومة روابط مبنيّة من رجل، وخبز، وعصفور: يصعب الوصول إلى العصفور، والخبز هو إمكانيّة للوساطة بينه وبين الرّجل. مرّة، يُعطيه الرّجل الخبز، وبعكس الأدوار بحسب قصّة إلياهو، الغربان هي التي تُعطي الخبز للرّجل. الخبز والغربان مُحمّلة جميعها بسياقات عديدة. من بين هذه، بحثت عن السّياقات الشّخصيّة: ظهر الخبز لديّ كبقايا وكرمز للشحّ (الخبز الجاف)، وأمّا الغربان فظهرت كعصفور حكيم كان بودّي أن أكون من مناصريه. مع الوقت، تقشّرت الطّبقات عن كلّ واحدة من الصّور، وما تبقّى هو ذاكرة من كلّ شيء. حتّى منظومة العلاقات التي صغتها اتّخذت وما زالت تتّخذ أشكالًا جديدة. ما تبقّى من الخبز هو عجين محروق وقشور زجاجيّة، تأكلها مناقير عصافير، أو أنّها ترقبها فحسب. إلى جانبها، تظهر ثلاث شخصيّات تلعب في حقل ذهبيّ”. في النّصّ، يصف شوفال انشغاله بالرّوابط بين العوامل الرّمزيّة الثّلاثة في هذه المنظومة. عند تخطيط المشروع ونصبه، انتقل من الانشغال الواعي بالصّور المشحونة إلى التّأويل الحيّزيّ، الذي فيه تتحوّل الشّخصيّات إلى أدوات وتمتدّ بينها فراغات محدّدة تُصبح بحدّ ذاتها مكوّنات بصريّة.
يُقدّم تصوّر التدريس المباشر في ورشة أفكار التّصميم سيرورةً تُتيح للمشاركين البدء بتطوير سير عمليّة شخصيّ منذ السّنة الأولى، كإحدى المهارات المهنيّة التي يتمّ اكتسابها بالتّوازي، وذلك إلى جانب التّعلّم غير الواعي. ومن الثّيمات البصريّة الأخرى التي تبرز في أعمال شوفال من كلتا السّنتين، هو استخدامه للـ “قشور” – تمثيلات بصريّة تهدف إلى تركيز النّظر والفكر على الرّوابط بين الفراغ والمضمون: الجريدة، الكيباه، الأكياس، وبموازاة ذلك في المشروع النّهائيّ – شبكات أذيب فوقها مسحوق زجاج وإلى جانبها قشور من الطّحين والهواء التي خُبِزَت لتصير خبزًا.
في أعقاب تحليل الرّابط بين ورشة أفكار التّصميم والمشروع النّهائيّ، قد يكون من المبكر تطوير أفكار عن أيّ سياقات من السّيرة الذّاتيّة قد تكون حاضرة في الأعمال، إلّا أنّ هذه إمكانيّة بحثيّة في الإمكان دمجها في مرحلة لاحقة.
تلخيص
تقليديًّا، تعمل أكاديميّات الفنون والتّصميم على إكساب نوعين من المعارف – النّظريّة والعمليّة. تربط أساليب التّدريس والتّعلّم بين هذين النّوعين، وتوجّه نحو تعزيز تصوّرات قِيَميّة عند تطبيق المعارف العمليّة. في برنامج التّعليم الحاليّ في قسم التّصميم الخزفيّ والزّجاجيّ، تمّ تعريف ورشة الأفكار بحيث تدمج فطريًّا توجّهات قِيَميّة وعمليّة وتشدّد على الرّابط غير القابل للقطع بين المعنى القِيّميّ وذلك البصريّ. تطوّرت ورشة أفكار التّصميم كطريقة لإكساب مهارات وأساليب عمل بموازاة طريقة التّفكير القِيَميّة وتطوير المسؤوليّة المهنيّة والمدنيّة. تُساهم الورشة في تعزيز الاعتراف بأنّ المهارات المهنيّة ليست مجرّد أدوات عمليّة، وفي جذب الانتباه نحو المعاني القيميّة للنّتائج المهنيّة. خلال الورشة، يتمّ توجيه المشاركين نحو استخلاص القيم من الموادّ الخام والعثور على نقاط التّماس بين المعاني الشّخصيّة التي ينوون تطويرها في مخرجات عمليّة التّعلّم الخاصّة بهم، وبين المعاني الاجتماعيّة والثّقافيّة، وذلك للتّشديد على التّأثيرات القِيَميّة لأعمالهم كمهنيّين على خلق حيّز حياتيّ عادل يتّسم بالمساواة. في عصرنا هذا، الذي باتت فيه القواعد المعلوماتيّة وأساليب التّعليم ضمن مناليّة الجميع، أصبحت عمليّة التّعليم المؤسّساتيّة تتميّز بفضل إمكانيّة شحذ القيمة المضافة للتّعلّم المجموعاتيّ. تعتمد سيرورة التّعلّم في ورشة أفكار التّصميم على مجموعات مشاركين ثابتة، وعلى إرشاد يهدف إلى تحديد حيّز عمل آمن بينهم. إنّ الفائدة من عمليّة تعليم مشترك في عصر وسائل الاتّصال غير المحدودة هو إمكانيّة إثارة نقاشات متعدّدة المشتركين، تصبّ في لقاءات مع “الآخر” خالية من الوساطة. في بحث مستقبليّ عن ورشة الأفكار، سوف نفحص ما إذا كان هناك خطّ رابط أو مبادئ أساسيّة مشتركة (لدى الطّلّاب الذين تظهر في مشاريعهم النّهائيّة مواقف قِيَميّة) بين أعمالهم من سنوات التّعليم الأربع أو مشاريعهم النّهائيّة، وبين أعمالهم في ورشة الأفكار، وذلك لإحصاء نجاعة مبادئ التّدريس المُتّبعة في الورشة.