موجز
تتناول الورقة موضوع المخلفات الحجرية الناتجة عن صناعة الحجر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتناقش فكرة إعادة تدويرها كفرصة لتطوير حرف بديلة في البلدات الفلسطينية القائمة اقتصاديًّا على هذه الصناعة. الاستخدامات المقترحة تقوم على تقنيات صبّ المخلفات في قوالب لإنشاء نماذج حجرية جديدة. تهدف هذه النماذج إلى إعادة تعريف الدور الثقافي والمعماري للواجهات الحجرية من خلال استخدام موادّ خام جديدة ناتجة عن صناعة الحجر: مسحوق الحجر والحصمة. من شأن الحجر المعاد تدويره أن يساعد في تحويل المخلفات من عبء بيئي واقتصادي على الفلسطينيين إلى فرصة لإعادة التفكير في ممارساتهم الصناعية وعلاقتهم بالمشهد الطبيعي.
تشرح الورقة في البداية الخلفية من وراء هذا البحث وتعرض التجارب التي أجراها مصممون محليون، حرفيون وباحثون أكاديميون، بالإضافة إلى تجارب أجريتها بنفسي كجزء من مشروع تخرّجي “جبال تسترجع الحجر”. الهدف هو الإشارة إلى القضايا البيئية والاقتصادية المستمرة في سياق تدخلي المعماري والمبادرة إلى بحث أوّليّ للتعامل مع هذه القضايا من خلال مجال تصميم الموادّ.
الخلفية
يتساءل مشروع تخرّجي “جبال تسترجع الحجر” عن قيمة الحجر في التراث الثقافي المقدسي، وذلك من خلال تسليط الضوء على البصمة المباشرة التي تتركها صناعة الحجر على المناظر الطبيعية والنمو الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
قبل مائة وواحد عام، سنّ الانتداب البريطاني أنظمة صارمة لتلبيس المباني في القدس بالحجر، الأمر الذي جمّدها كـ “صخرة ثمينة” وعزّز الصورة التوراتية للمدينة. هذه الأنظمة سارية حتى اليوم على يد الاحتلال الإسرائيلي وتحوّل هدفها من المحافظة على الحجر باعتباره عاملًا مهمًّا في تحويل العمارة العامية في القدس إلى غلاف خارجيّ لتجسيد قدسيّة المدينة أوّلًا، ولاستخدام ذلك كأداة سياسيّة يتم من خلالها تغليف المستوطنات في الضفة الغربية بالحجر من أجل ضمّها إلى حيز القدس ثانيًا. بالتوازي مع ذلك، تطوّرت صناعة ضخمة من المحاجر ومناشير الحجر في الضفة الغربية، وهي ما تعرف باسم “النفط الأبيض”11 مصطلح ... . الجبال الفلسطينية تدمَّر يوميًّا من أجل استخراج الحجر في حين لا تفتأ القدس تشيد بمبانيها المغطّاة بذات الحجر.
تواجه صناعة الحجر في الضفّة الغربية، اليوم، العديد من التحدّيات، الأمر الذي يشير إلى أزمة اقتصادية محتملة. يقول مالك شركة “الوليد” في بلدة بيت فجار بالقرب من بيت لحم، وهي أكبر منطقة صناعية للحجر في الضفة الغربية: “خامة الحجر في بيت فجار في طريقها إلى النفاد”. علاوة على ذلك، تعتمد الصناعة بشكل أساسيّ على الطلب في السوق الإسرائيليّة والذي يمثّل حوالي 65٪ من إجمالي المبيعات (حشيش، 2012). مع ذلك، فإن أصحاب المحاجر والمناشير الذين قابلتهم لا يؤمنون بهذه النسبة اليوم، ويقولون إنّ معظم زبائنهم الإسرائيليّين أصبحوا يتّجهون إلى الحجر التركيّ والصينيّ ذي الجودة الأفضل، وتوقّفوا عن شراء منتجاتهم. هذه الظاهرة منتشرة وتؤثّر بشكل كبير على قطاع الحجر في فلسطين.
من بين العديد من التحدّيات الأخرى التي تواجهها الصناعة، اليوم، تعدّ مسألة التخلّص من روبة الحجر، وهي من مخلّفات المناشير التي تنتج بعد عصر المياه المستخدمة لتبريد آلات قطع الحجر، واحدة من ألحّ القضايا التي تستدعي المعالجة. لا يتم التعامل مع الروبة بطريقة منهجية بأي شكل من الأشكال، بل يتم التخلص منها بكميات كبيرة في المناطق المفتوحة، ما يؤثّر بشكل مباشر على الزراعة وصحّة السكان في الجوار (بلدية بيت فجار، ٢٠١٨). تترتّب على التخلّص من الروبة تكاليف إضافية على المصانع، وهي تضطرّ إلى التخلّص منها بشكل يوميّ أو أسبوعيّ.
في مقترحي، أحاول إشراك مخلفات الحجر في مجالات البناء من أجل الاتجاه نحو تقليل اعتماد الفلسطينيين على استخراج الحجر من ناحية، وتطوير بديل مؤقت للحجر الطبيعي يخلق فرصًا اقتصادية جديدة للفلسطينيين، من ناحية أخرى. للقيام بذلك، نظرت في الأبحاث الدولية والمحلية التي تتناول مسألة إعادة استخدام روبة الحجر. على الرغم من أنني لست خبيرةً في تصميم الموادّ، إلا أنّني سمحت لنفسي بإجراء بعض التجارب في صبّ النفايات الحجرية مستخدمة مهاراتي المعمارية لإعادة تشكيلها كموادّ للبناء.
حول نفايات الحجر
يمكن تصنيف مخلّفات الحجر إلى نوعين: القطع المكسّرة غير المناسبة للبناء، وروبة الحجر التي تنتج بعد عصر الروبة السائلة (التي تتكوّن أساسًا من الماء والـ CaCO3) من آلات القطع الماسية.
تُحمل القطع المكسورة عادة إلى الكسارات وتحوّل إلى حصمة بأحجام مختلفة (ناعمة، سمسمية، عدسية وفولية22 الناعمة ... ) لتستخدم لاحقًا في صناعة الباطون وغيرها من الصناعات الإنشائيّة. لا يتم إعادة استخدام روبة الحجر بأي طريقة تذكر، بل يتم التخلّص منها بالقرب من المصانع، داخل المحاجر غير النشطة، في الأراضي الزراعية وبالقرب من المناطق السكنية. ينتج مصنع الأحجار المتوسطة الحجم حوالي 15 طنًّا من الروبة يوميًّا. في السنة الواحدة، يتمّ إنتاج حوالي مليون طنّ من الروبة من إجمالي مصانع الحجر في الضفة الغربية. هذه الكمية تعادل حوالي نصف مليون متر مكعّب من الروبة المعصورة (جولاني، 2014).
الفرص
في مقابلة أجريتُها مع عالم الجيولوجيا الدكتور طالب الحارثي ذكر الاستخدامات الممكنة لروبة الحجر بعد معالجتها، بما في ذلك: إنتاج الأعلاف، صناعة الورق (80٪ من كربونات الكالسيوم + 20٪ من البلاستيك)، الأدوية، الدهانات وما إلى ذلك. هذه الصناعات يمكن أن تكون واعدة مع فائدة اقتصادية كبيرة، ومع ذلك فإنها تحتاج إلى تقنيات قد لا تكون متوفرة، بالإضافة إلى رأس مال مرتفع ولوجستيّات معقّدة نسبيًّا (الجولاني، 2014).
في مقالته “روبة الحجر في فلسطين من عبء بيئيّ إلى فرصة اقتصادية – دراسة جدوى”، يعرض الدكتور نبيل الجولاني استخدام الروبة في صناعة الخرسانة الجاهزة على أنّه الخيار الأمثل من بين الخيارات الأخرى الممكنة لإعادة تدوير الروبة، فهو ملائم للسياق الاقتصادي والبيئي الفلسطيني وللتحديات المرتبطة بصناعة الحجر في الضفة الغربية.
يذكر الدكتور الجولاني عدة أسباب تعطي أفضلية لاستخدام روبة الحجر في صناعة الخرسانة. الأول هو التطبيق العملي للخرسانة كمادة بناء أساسية وملاءمة الخرسانة الجاهزة للبناء المرتفع، ما يزيد الطلب عليها. لذلك، فإن استخدام روبة الحجر في الخلطة الخرسانية سيكون وسيلة فعالة للتخلص من الكميات الكبيرة الناتجة من الروبة سنويًّا. من الإيجابيّات الأخرى لاستخدام الروبة في إنتاج الخرسانة هو أنّها تعمل على التوفير من استهلاك مورد طبيعيّ غير متجدّد ألا وهو الرمل الذي يدخل في خلطة الخرسانة. يساعد ذلك في إنشاء محرّك جديد للتنمية المستدامة بالإضافة إلى التخلّص من عبء بيئي كبير ومدمر ألا وهو روبة الحجر (الجولاني، 2014).
التجارب والنماذج المحلية
في أسبوع التصميم في القدس عام 2018، قدّم المصمّمان أفيور زادا وإليعاد ميخالي كتالوغهما الجديد من الأحجار المصمّمة التي يمكن أن تحل محل الحجر الطبيعي الذي يُفرض استخدامه على واجهات المباني في القدس. تم عرض حوالي 90 حجرًا، يتكوّن كلّ منهم من خلطة مختلفة، في حين أنّ أشكالهم متماثلة، حيث تمّ صبّهم في ذات القالب. 80٪ من الخلطة تشمل الحصمة والمساحيق الحجرية، بينما البقية عبارة عن مواد لاصقة. من الأمثلة على ذلك الحجر المصنوع من مسحوق حجري جمع من محجر في سعير-الخليل، والطين من منزل تم تفكيكه في شارع أغريباس-القدس. العمل سياسي ومثير للجدل لأنه يدمج بين مواد قد تكون جمعت من المستوطنات الإسرائيلية ومن الأراضي الفلسطينية المحتلة (ريفا، 2018)
يرى المصمّمان أنّ أحجارهما يمكن إنتاجها بكميات كبيرة أو حتى باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لاستبدال الحجر الجيري الطبيعي في المستقبل. تثير هذه النماذج تساؤلات حول “حجر القدس”، وهو حجر لم يعد يأتي من القدس، بل يستخرج من جبال الضفة الغربية أو حتى يستورد من الصين أو تركيّا. هل الأحجار التي يقومون بتطويرها محلّية أكثر من الأحجار الطبيعية التي تفرضها أنظمة البناء الاسرائيلية في القدس؟
موسى حريزات، من يطا-الخليل، لديه مصنع خاصّ به لإنتاج الحجر الصناعي من الخلطات الخرسانية الرطبة والتي تدخل فيها روبة الحجر. في العادة، يكون الحجر الصناعي مصنوعًا من الإسمنت الأبيض والرمل والحصمة مع كمية صغيرة من المواد المضافة لتحسين متانته. بدأ مشروعه منذ ثلاث سنوات عندما طرح فكرة إدراج روبة الحجر في إنتاج الحجر الصناعي، بعد أن رأى العبء البيئي والاقتصادي الكبير للروبة على مصنع الحجر الذي تملكه عائلته والبيئة المحيطة. أراد أن يساعد في إعادة تدوير الروبة من خلال تطوير نموذج بديل لا يبدو مثل الحجر الطبيعي فحسب، بل هو مصنوع من بقايا الحجر: مسحوق روبة الحجر. بدأ بإضافة المسحوق بكميات صغيرة جدًّا (تصل إلى 5%) في الخلطة الخرسانية لاستبدال الرمل جزئيًّا. اليوم يشمل حجره على ما يصل إلى 70٪ من روبة الحجر الذي يحل بالكامل محل الرمل والحصمة في الخلطة الإسمنتية. يدعي موسى أن حجر الروبة الإسمنتي ليس فقط مصنوعًا من مزيج متجانس أكثر مع إمكانية أقل للتشققات مقارنة بالحجر الصناعي التقليدي، بل هو ينافس الحجر الطبيعيّ أيضًا من ناحيتي السعر والمتانة.
في مقابلة مع موسى، أعطاني ثلاثة نماذج مختلفة قام بتطويرها. الأوّل عبارة عن حجر صناعيّ مكوّن من خليط من روبة الحجر (حوالي 60٪)، قطع صغيرة من الزجاج الأزرق والإسمنت الأبيض. الزجاج هو نوع آخر من المخلفات التي تنتج بكميات كبيرة في ورش الزجاج في منطقة الخليل. قام موسى بدقّ وجه الحجر على شكل طبزة33 طوبة حجرية ... وذلك للكشف عن الزجاج الأزرق داخل الخلطة. يمكن استخدام هذا الحجر في التلبيس الخارجي للمباني. والحجر الثاني عبارة عن بلاط فيه ما يصل إلى 66٪ من مسحوق روبة الحجر في المزيج الخرساني. يضيف موسى الألوان أيضًا لإعطاء ظلال وتأثيرات مختلفة للبلاط الحجري. الحجر الثالث عبارة عن كتلة خرسانية رقيقة سُمكها 1 سم مقوّسة على شكل حرف U. تمّت تقوية الحجر بالألياف الزجاجية، ما يمنحه متانة عالية.
خلال عملي على مشروع التخرّج، قمت بإجراء تجارب على النفايات الحجرية في قسم السيراميك والتصميم الزجاجي في أكاديمية بتسلئيل، حيث تمّت استضافتي للعمل في مختبراتهم. كان هدفي استكشاف الفرص لاستخدام مسحوق الحجر والحصمة كموادّ خام لتصميم مواد جديدة يمكن أن تدخل في صناعة الحجر الفلسطيني.
ترتبط التجربة الأولى بتخصّص القسم الذي استضافني: الزجاج. قمت بخلط المسحوق الحجري بمسحوق زجاجي بأربع نسب مختلفة، وملأتها في قالب من الجبس وقمت بخبزها في الفرن بـ 770 درجة مئوية. عند درجة الحرارة هذه، هناك احتمال كبير بأن يكون الحجر قد تحول إلى أكسيد الكالسيوم أو ما يعرف باسم الشيد44 [1] هو مركب ... . والنتيجة هي مادة خفيفة للغاية مع ثقوب صغيرة. المزيج الذي يحتوي على أعلى كمية من الزجاج (75٪ زجاج، 25٪ مسحوق حجري) هو النموذج الأكثر تماسكًا. ينفصل المزيج الذي يحتوي على أقل كمية من الزجاج (25٪ زجاج، 75٪ مسحوق حجري) تمامًا بعد إخراجه من القالب. على الرغم من أنّ المادة لم تخضع لأي اختبارات فيزيائية أو كيميائية، فإن النتائج تشير إلى أن لديها القدرة على العمل كعازل حراريّ إذا تمّ تطويرها.
في التجربة الثانية، استبدلت الحصمة في المزيج الخرساني بقطع حجرية تم إلقاؤها كنفايات بعد دق وجه الحجر لأشكال مختلفة كي يستخدم في التلبيس الخارجي. قمت بنموذجين، واحد مع قطع صغيرة والآخر مع قطع كبيرة. قمت بإزالة سطح الكتلة من خلال قطعها للكشف عن القطع الحجرية. وفقًا للاختبارات الفيزيائية التي أجريتُها، كان للكتلة ذات القطع الحجرية الأكبر قوة ضغط أفضل من الكتلة الأخرى التي تحتوي على القطع الحجرية الصغرى.
في تجربة أخرى، استبدلت الرمل الموجود في المزيج الخرساني بمسحوق روبة الحجر، وهي تجربة قام الدكتور نبيل الجولاني بدراستها بعمق. قمت بتجربتها لإنتاج بلاط بطريقة الصب الخرساني الجاف وإنتاج طوب باستخدام طريقة الصب الخرساني الرطب. النتائج إيجابية. تشير تجارب الدكتور الجولاني إلى أنه يمكن استخدام مسحوق نفايات الروبة الناتجة عن صناعة الحجر بدلًا من الرمل في إنتاج الحجر الصناعي مع قوة تحمل للضغط عالية وقدرة على الامتصاص منخفضة مقارنة بالحجر الطبيعي.
تضمنت سلسلة التجارب الأخيرة تقنية الكبس لإنتاج كتل صلبة من مسحوق روبة الحجر. حاولت كبس المسحوق تحت ضغط عالٍ يصل إلى 120 طن. في البداية، ضغطت المسحوق دون أي إضافات، ثم قمت بإضافة مواد أخرى مثل الطين والإسمنت كمواد لربط المسحوق معًا. بسبب عدم كفاءة القوالب التي استخدمتها في هذه التجارب وعدم دقة العمل، فشلت جميعها. ومع ذلك، فإن تقنية الكبس لديها فرص للنجاح إذا ما استخدمت مع الأدوات الصحيحة وفي الإعدادات الملائمة.
استنتاجات
في مشروع تخرّجي، كانت هذه التجارب بمثابة مواد تكميلية لمقترحي المعماري في بلدة بيت فجار التي تعتمد اقتصاديًّا على صناعة الحجر. يقترح تدخّلي تجديدًا اقتصاديًّا وثقافيًّا للنشاط الاقتصادي المدمّر والمستمرّ في البلدة. في مقترحي، أقدّم نموذجًا جديدًا لمصانع الحجر المنتشرة تحتوي على أقسام لإعادة تدوير نفايات الحجر ومركز أبحاث لتطوير المواد. الهدف يكمن في المساعدة في استعادة العلاقة التاريخية المتناغمة للفلسطينيين مع مناظرهم الطبيعية من خلال نشاط اقتصاديّ وثقافيّ جديد. بدلًا من جلب موادّ وتكنولوجيات جديدة، يستخدم المقترح موادّ، تقنيات ومعرفة متوفّرة محلّيًّا ويعيد صياغتها كنقطة انطلاق نحو التغيير. (טקסט שלא קיים בעברית…)
חסר טקסט מסקנות בערבית!
بناءً على التّجارب المختلفة التي جاءت في هذا المقال، يُمكننا أن نستنتج أنّ هناك إمكانيّات مختلفة لصبّ الرّدغة (slurry) لإنتاج أشكال حجريّة جديدة، بما يُلائم التّقنيّة والمادّة اللّاصقة. يُقاس نجاح الرّدغة بواسطة عوامل مختلفة: الخواصّ الفيزيائيّة (مثل قابليّة الضّغط، امتصاص الماء، وغيرها)، الاعتبارات البيئيّة، والفائدة اقتصاديّة والجماليّة.
الأشكال التي أنتجها أفيؤور وإليعاد، والتي عُرِضت في أسبوع التّصميم في القدس، لها خواصّ فيزيائيّة ممتازة مقارنةً بالحجر الطّبيعيّ، وبإمكانها حتّى أن تنافسه اقتصاديًّا. تطرّق المصمّمان إلى الجوانب الجماليّة لنماذجهم، بداية بواسطة خلط أنواع مختلفة من الحجارة لإنتاج شكل واحد، ثمّ بواسطة تطوير أشكال مختلفة من الحجارة، لتكون لها استخدامات مختلفة. مع ذلك، قد تكون هناك أيضًا اعتبارات بيئيّة تتعلّق بالموادّ اللّاصقة البوليميريّة المُستخدمة.
في الأشكال التي صمّمها موسى حريزات، استُخدِم الإسمنت كمادّة لاصقة، ما يثير هنا أيضًا الموضوع البيئيّ. مع ذلك، فإنّ توفّر الإسمنت، إضافة إلى كونه عمليًّا، يضفي عليه ميزة اقتصاديّة. تتمتّع الأشكال أيضًا بخواصّ فيزيائيّة تُشبه تلك التي نجدها في الحجر الطّبيعيّ، إضافة إلى كون الخليط أكثر تجانسًا مقارنةً بخليط الحجر الصّناعيّ العاديّ. وفي حين صُبَغَت أشكال أفيؤور وإليعاد بألوان نتيجة خلط أنواع مختلفة من الحجر الطّبيعيّ، يستخدم موسى ألوانًا كيميائيّة لإضافة أطياف مختلفة من الألوان. في بعض هذه الأشكال، يستخدم موسى قوالب مرنة لصبّ الحجر ليتّخذ أشكالًا متعرّجة، وهي تقنيّة يُمكن إجراء تجارب عليها لإنتاج أشكال حجريّة لا يُمكن تقطيعها من الحجر الطّبيعيّ. قد تؤدّي هذه التّجارب إلى تأويلات جديدة للواجهة الحجريّة، من خلال تطوير عناصر معماريّة جديدة من الأشكال المحدّبة.
أمّا استبدال الحصى في الأسمنت ببقايا الحجارة المكسّرة، كما تُظهر تجاربي أنا، فتقلّص كمّيّة الإسمنت المُستخدمة في الخليط، وتحوّله إلى خليط أكثر نجاعة من ناحية بيئيّة. بهدف إثبات قدرة الخليط على التّنافس مع خليط الحصى والأسمنت، يجدر إجراء تجارب ضغط وامتصاص الماء، للمقارنة بين الخليطين. عند قصّ سطح الأسمنت الجديد لكشف الحجارة، يتبدّى لنا نمط فسيفسائيّ، يُضفي جانبًا جماليًّا على الشّكل الإسمنتيّ. هذا الخليط من الإسمنت والحجارة يعرض نموذجًا جديدًا للواجهة الحجريّة، قد يستبدل تقنيّات الكسو الحجريّة الشّائعة، التي تُستخدم لكسوة المباني الإسمنتيّة. مع ذلك، فإنّ التّحدّي الأساسيّ الذي يجب أن نتعامل معه هو عوامل التّجوية التي تؤثّر على الإسمنت في الأمد البعيد.
تجدر دراسة عمليّة عصر الرّدغة بشكل معمّق. قد يكون أحد التّوجّهات المُثيرة للاهتمام هو استخدام موادّ طبيعيّة مثل الطّين أو التّراب كموادّ لاصقة. يذكّر ذلك بتقنيّات التّراب المرصوص التي تُستخدم لبناء الجدران في الموقع. بدلًا من استخدام تقنيّة لبناء الطّوب والجصّ، قد تتحوّل الجدران المصنوعة من وحدة واحدة ترصّ على دفعات إلى النّموذج الجديد لبناء الجدران الحجريّة.
للتّلخيص، يُمكننا تطوير كلّ واحد من هذه الأشكال لأهداف مختلفة، وعرض وجهات نظر جديدة لاستخدام الحجارة، وذلك ردًّا على التّحدّيات الاقتصاديّة والبيئيّة المُلحّة التي تواجه صناعة الحجارة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة. يشكّل هذا البحث خطوة أولى وأوّليّة نحو أبحاث مستقبليّة، قد تفحص أيّ واحدة من هذه التّقنيّات بشكل معمّق، أو قد تبحث اتّجاهات وتكنولوجيّات جديدة، أو قد تركّز في دراسة الفرص الاقتصاديّة التي تطوّرها هذه النّماذج، أو قد تطرح عناصر معماريّة جديدة أو حتّى بنايات برمّتها.